المغالطات المنطقية - الشيخ مازن المطوري
عنوان المحاضرة : المغالطات المنطقية
المحاضر : الشيخ مازن المطوري
وقت المحاضرة : ساعة واحدة و20 دقيقة .
المكان : العراق / النجف الأشرف / مؤسسة تراث النجف الحضاري والديني
التاريخ : 14 ذي الحجة 1440هـ - 16 آب 2019م
ملخص مختصر عن المحاضرة :
لمحة عن المغالطة المنطقية وآثارها
يعالج المحاضر موضوع المغالطات المنطقية التي كثر الاعتماد عليها في وقتنا الحاضر من قبل جهات كثيرة في سبيل فرض توجهاتها على المجتمع الذي هو في الغالب ليس على معرفة بأساليب الاستدلال المنطقي فما أسرع أن يقع فريسة لهذه المغالطات . فإذا لاحظنا النقاشات التي تدور في أروقة المجتمع سنجد أن السبب الكامن وراء عدم وصول كثير منها الى نتيجة معينة هو استعمال المغالطات .
وابتدأ المحاضر بلمحة عن تاريخ استعمال المغالطة أيام الحضارة اليونانية القديمة حيث اضطلع باستعمالها واشاعتها السفسطائيون الذين كانوا خطباء جدا والخطابة تعتمد فن الجدل الذي ساقهم في نهاية المطاف الى أن يدافعوا عن القضية ونقيضها ويثبتون كليهما وقد وقف ضد هذا المد الفلاسفة الثلاثة سقراط وأفلاطون وأرسطو ولا سيما الأخير حيث دوَّن علم المنطق في هذا السبيل .
وبصورة عامة نجد الانسان تارة يقع في المغالطة نظرا لعدم معرفته بأساليب الاستدلال المنطقي وأخرى يقوم بالمغالطة متعمدا للوصول الى أهداف يبتغيها ، ومن جهة أخرى يبقى ليس بمقدور الانسان التوصل الى الواقع ما لم يرفع الموانع التي منها المغالطة .
أهمية التعرُّف على المغالطة
الفائدة الأولى : لأجل أن يتجنب الانسان المغالطة لابد أن يتعرف عليها في المرتبة السابقة لذا يقول الامام علي عليه السلام في حديثه مع كميل بن زياد : " يا كُميل ما من حركة إلا وأنت محتاج فيها الى معرفة " فالمعرفة هي المقدمة الأولى لكل فعل او سلوك فمن المسلمات الفلسفية أنه ما من فعلٍ إرادي للإنسان الا ويسبقه تصور .
الفائدة الثانية : كشف المغالطات عند الآخرين ، فمن يعرف المغالطة ، طبيعتها ، أقسامها ، سيتعرَّف على مواضع المغالطة في كلام الآخرين .
الفائدة الثالثة : بعض من يستعمل المغالطة لا يمكن مجابهته إلا بالمغالطة وكما يُقال (الحديد لا يُشق إلا بالحديد) فلكي يتم إيقافه على الخطأ الكبير الذي يرتكبه باستعماله لها لابد من إيقاعه في المغالطة أيضا لينتبه .
تعريف المغالطة
للقياس عدة أقسام بلحاظ الهدف والغاية منه (للتفصيل في ذلك راجع تسجيل المحاضرة أدناه) ومنها المغالطة وهي القياس الذي يكون هدفه وغايته إيقاع الآخر في الإشتباه وتظليله.
إذاً المغالطة هي استدلال يشبه الاستدلال المنطقي في صورته لكنه في واقعه ليس منطقيا ، ومن هنا تأتي قدرة المغالطة على التأثير أي من كونها تشبه الاستدلال المنطقي في صورتها وظاهرها . ومن هنا وجب التعرُّف على قواعد الاستدلال المنطقي الصحيح لمكافحة هذا المرض الذي يصيب المعرفة الانسانية .
أقسام المغالطة
تنقسم المغالطة بشكل عام الى قسمين :
1- المغالطة اللفظية
وهي التي تكون الألفاظ فيها سببا لوقوع الانسان في الخطأ والاشتباه كما في استخدام الالفاظ المشتركة التي لها معانٍ متعددة مثل لفظ العين . فالعين تطلق على كلٍ من الباصرة والجاسوس وينبوع الماء .
مثال على المغالطة اللفظية
الجاسوس عين والعين ينبوع فالنتيجة الجاسوس ينبوع .
ففي هذا القياس المقدمات في نفسها صحيحة فالجاسوس لغة يطلق عليه أنه عين وكذا لغة العين تطلق على الينبوع ولكن النتيجة خاطئة لأنه استعمل لفظا مشتركا وفي القضية الأولى كان لهذا اللفظ معنى يختلف عن معناه في القضية الثانية وبالتالي لا يوجد حد أوسط يربط بين القضيتين حتى ينتجا النتيجة المذكورة .
2- المغالطة المعنوية
وهي التي تكون فيها المفاهيم والمعاني سببا لوقوع الانسان في الخطأ والاشتباه ، فهذا اللون من المغالطة لا يرتبط بالألفاظ وانما يرتبط بالمفاهيم والمعاني المستفادة من ألفاظ المقدمات .
مثال المغالطة المعنوية
أشكل ديكارت على القياس المنطقي بما يلي:
( إذا كانت المقدمات معلومة عند الانسان فلا حاجة بنا الى القياس لأن النتيجة معلومة قهرا من دون قياس وإذا كانت المقدمات مجهولة فإن القياس لا يجعلها معلومة ) . لذا قال أن القياس على كل حال عقيم لا فائدة منه .
وهذا الكلام فيه مغالطة وهي من المغالطات المعنوية وبيانها كما يلي :
تكمن المغالطة في هذا الكلام في قوله ان (المقدمات إذا كانت معلومة تكون النتيجة معلومة قهراً) هذه مغالطة لأن المقدمات إذا كانت معلومة لا تكون النتيجة بالضرورة معلومة قهرا وانما تكون النتيجة معلومة قهراً بشرطين يجب توفرهما معاً وهما :
الأول: أن تكون المقدمات معلومة .
الثاني: أن يقترن بعض المقدمات ببعضها الآخر وفق شروط معيَّنة .
فلا يكفي للعلم بالنتيجة مجرد العلم بالمقدمات . وهذه مغالطة معنوية .
نماذج من أقسام المغالطة شائعة في حياتنا اليومية
ذكروا للمغالطة أقساما متعددة حيث أنهاها بعضهم الى ثلاثة عشر وزاد بعضهم على ذلك ولكننا هنا نكتفي بأخذ نماذج واضحة لمغالطات شائعة في حياتنا اليومية .
النموذج الأول : مغالطة المصادرة على المطلوب
وهي افتراض قضية على أنها أمرا مسلما واضحا فيجعلها مقدمة في الاستدلال ، وبعبارة أخرى يجعل النتيجة التي هي موضع اختلاف مقدمة في الاستدلال لإثبات نفسها . فيقال انها مصادرة على المطلوب .
مثال المصادرة على المطلوب
قول بعضهم (الدين مسألة فردية شخصية بين الانسان وخالقه) للجواب على النقاشات التي تدور حول ضرورة مراعات النظم الدينية في التشريعات الوضعية .
فهذه مصادرة على المطلوب لأنَّا في الأصل لا نسلِّم بأنه مسألة فردية بين الانسان وخالقه . وانما هذه القضية تمثل جانبا واحدا من جوانب المنظومة الدينية . فالمتدين يجد القرآن يختلف تمام الاختلاف مع كون الدين مسألة فردية . فكيف يتم استعمال هذه المقدمة للاستدلال عليه وهي في نفسها خلافية .. لذا ينبغي الانتباه الى عدم السماح للآخر بتمرير مفاهيمه على أنها مسلَّمات .
مثال آخر لمغالطة المصادرة على المطلوب
عندما يُقال في الاستدلال على عدم حقانية بعض التشريعات الدينية: كل تشريع ديني او غير ديني يخالف لائحة حقوق الانسان التي أصدرتها الامم المتحدة فهو باطل ..
فهذه مصادرة لانه في المقام الأوَّل مَن قال بأن جميع تشريعات لائحة حقوق الانسان صحيحة؟ وفي الأصل من أين استمد هؤلاء الحق في تشريع القوانين؟ ثم من قال أن تعريفهم للحق هو التعريف الصحيح؟ وهكذا أصل القضية غير مسلَّم عندنا بل نختلف معهم في جملة من التشريعات التي ضمَّنوها تلك اللائحة وحتى بعض المشرعين في تلك الدول ناقشوا ويناقشون في كثير من تلك التشريعات .
النموذج الثاني : مغالطة المنشأ أو المصدر
كل فكرة أو قضية هي بنت الدليل الذي تنشأ منه أو تستند إليه ، وقيمة الفكرة من قيمة الدليل الذي يدل عليها إضافة الى انسجامها الداخلي وعدم تهافتها.
ومغالطة المنشأ تتمثل بالنزوع الى المناقشة في صاحب الفكرة لاثبات بطلانها بدلا من المناقشة في دليل الفكرة فالمغالِط هنا يحاول أن يسحب الصفات غير المقبولة التي يتحلى بها صاحب الفكرة الى الفكرة نفسها لإسقاطها عن الاعتبار ، وهذا أمر شائع وهو مؤسف جدا وغير أخلاقي جدا .
ففي حياتنا اليومية كثيرا ما يتم الاكتفاء لإسقاط الافكار عن الاعتبار بالقول أن صاحبها فلان أو أنه متأثر بفلان أو أنه استمدها من فلان فمثلا في الوسط المتدين لاسقاط فكرة عن الاعتبار يُقال أنه أخذها من العلمانيين وفي الوسط العلماني لاسقاطها يقال أنه أخذها عن المتدينين وهكذا ، وهذه مغالطة منطقية لأنه لا يوجد اي ملازمة منطقية بين سوء حال صاحب الفكرة وبين الفكرة نفسها إنما هي بنت الدليل والحجة وليست ابنته .
إذاً في مغالطة المنشأ يتم رفض الأفكار ليس اعتمادا على عدم انسجامها الداخلي وليس اعتمادا على عدم صحة دليلها والحجة عليها وانما على اساس منشَئها ومصدرها والقائل بها .
حتى أنه مما يؤسف له في وقتنا الحاضر أصبح عند كثير من العلمانيين وغيرهم أنَّ التحسين والتقبيح غربيان وليس عقليين فتجدهم يحسِّنون ما حسَّنه الغرب ويقبحِّون ما قبَّحه فينفرون من كل شرقي أو ديني ما دام قبيحا من وجهة نظر الغرب وهذا في الواقع فضلا عن كونه مغالطة هو اتجاه يكلِّف المعرفة والتحضر كثيرا .
النموذج الثالث : مغالطة الاحراج الزائف او مغالطة الثنائيات
في الواقع كثير من النقد الذي يوجَّه اليوم للفكر الديني يعتمد على هذه المغالطة ، وهي تعني حصر المغالط اخيارات المسألة في خيارين لا ثالث لهما إما خياره الذي يتبناه وهو الصحيح وفق دعواه وإما الآخر الباطل ويضعك في الخيار إما معه وإما مع الباطل وليس ثمة مهرب ثالث ، فهو يغلق دائرة البدائل ويجعل الخصم في إحراج .
أمثلة مغالطة الثنائيات أو الإحراج الزائف
من أمثلتها ما قاله جورج بوش ( إما معنا وإما مع الإرهاب ) وكذلك ما يقوله البعض اليوم (إما مع الفاسدين وإما معنا) وهكذا يعمد المغالط الى حصر المسألة في خيارين يُحرج بهما المقابل مع أن المسألة في واقعها أوسع من ذلك بكثير وتحتمل خيارات أكثر تعقيدا وتعددا مما يصوِّرُه المغالط .
وكثيرا ما يستعمل أصحاب المشاريع السياسية وأصحاب الأيديولوجيات هذه المغالطة كقول بعضهم (إما مع الدين وإما مع العلم) ولا سيما إذا كان المغالِط صاحب كاريزما ومكانة اجتماعية . فيؤثر في البسطاء من الناس مع أن القضية أعقد من ذلك كثيرا ولكن أصحاب مغالطة الثنائيات لديهم ضيق أفق .
النموذج الرابع : مغالطة الاحتكام الى النتائج
في هذه المغالطة تُستَعمل النتائج السلبية أو الايجابية كدليل على صحة أو خطأ فكرة معينة ، فيأتي المغالِط الى النتائج الصحيحة الايجابية فيجعل منها دليلا على صحة الفكرة وأنه لو لم تكن أصل الفكرة صحيحة لما كانت النتائج كذلك .. وهكذا يأخذ النتائج السلبية الخاطئة فيجعلها دليلا على خطأ أصل الفكرة وإلا لما كانت نتائجها سلبية ، وبعبارة أخرى إن مغالطة الاحتكام الى النتائج تعني تقييم صحة دعوى معينة من خطئها من خلال الاحتكام الى نتائجها .
فهنا يتم الانتقال من النتائج الى الافكار لتقييمه على ضوء الأولى .
مثال مغالطة الاحتكام الى النتائج
ما يقوله البعض من أنه (كيف لا تكون دعوى او فكرة فصل الدين عن السياسة صحيحة والحال انها أنتجت كل هذه النتائج الايجابية الكبيرة في أوروبا من تطور في العمران والصناعة والمدنية و... وهذه نتائج صحيحة إيجابية ترتبت على فصل الدين عن السياسة عند الغرب وهي نتائج مطلوبة عند كل انسان .. إذاً فكرة فصل الدين عن السلطة والسياسة فكرة صحيحة وصائبة بشهادة النتائج الصحيحة المترتبة عليها .. بينما اقحام الدين في السياسة انتج نتائج سلبية وغير صحيحة في العصور المظلمة في اوروبا وعليه فإن إقحام الدين في السياسة فكرة خاطئة بشهادة نتائجها السلبية) .
فهذا الطرح يمثل مغالطة لأن المسألة أعقد جدا من هذا التبسيط الفج وبيان ذلك :
1- هناك فرق بين الميادين العلمية الفكرية وبين ميادين الأخلاق والحكمة العملية فكل ميدان من هذه الميادين له حسابه وموازينه .
2- الفكرة الصادقة هي صادقة بصرف النظر عن شعورنا اتجاه ما نتصور انه من نتائجها وهل هو شعور الرضا او شعور السخط، وبعبارة اخرى لا يوجد ارتباط منطقي بين نتائج قضية وفكرة معينة وبين قيمة تلك الفكرة من الناحية المنطقية ، فقد تكون قضية من القضايا صحيحة وسليمة ومطابقة للواقع من الناحية المنطقية ولكن عند تطبيقها لا تكون النتائج ايجابية فهذا ليس دليلا على صحة أو خطأ القضية إذ ليس بينهما ارتباط منطقي، القضية الصادقة مهما كانت نتائجها ومهما كان شعورنا اتجاهها تبقى صادقة وهكذا الكاذبة .
ومن ثم دائما التطبيق - سواء لقضية صائبة او خاطئة - هو خاضع لظروف معينة فمتى ما توفرت الظروف كان التطبيق سليما الى حد ما وقد تكون النتائج ايجابية حتى لو كانت القضية خاطئة وغير صحيحة ، فعالم التطبيق مختلف تماما عن عالم الأفكار والتفكير والتوصل الى المجهولات وفي هذا العالم مورد مناقشة هل الفكرة صائبة او خاطئة وليس ذلك من شأن عالم التطبيق وانما هو ميدان الاجراءات العملية في كيفية تدبير شأن المجتمع والذي قد يكون تدبيره وفق قضايا باطلة لكنها تنتج فيه ما يولد شعورا ايجابيا اتجاهها ، هذان ميدانان يجب فصل أحدهما عن الآخر .
فهل يمكن مثلا ان نتخذ من تفكك الاتحاد السوفياتي دليلا على بطلان الفكرة الماركسية وعدم صحتها ، لا يمكن ذلك مع اننا نقبل ان الماركسية غير صحيحة وغير مقبولة لكن هذه المقدمة لا تفي بالدلالة على المطلوب لأنها تتحدث عن عالم التطبيق وليس التفكير ، فالماركسية غير مقبولة لانطوائها على التهافت او ليس عليها حجة تامة أو ... ولا علاقة للقول بضعفها بالوضع المزري في الاتحاد السوفيتي .
هذه بضعة نماذج من المغالطات الشائعة في أوساطنا الاجتماعية ، وهناك مغالطات أخرى مثل مغالطة الاحتكام الى عامة الناس ، مع أنه لا دخل لقبول الاكثرية او عدم قبولهم لفكرة في صحتها او خطئها ، فهذا ليس مقياسا للصحة والخطأ ، لأن الاغلبية كما قد تقبل بأمر صحيح قد تقبل الباطل أيضا وكما قد ترفض الأمر الخاطىء قد ترفض الصحيح أيضا .
ومن المغالطات الأخرى أيضا مغالطة الحجة الشخصية بأن يهاجم الناقد صاحب الفكرة بدلا من نقد الفكرة .
ومغالطة التعميم بأن يعمم تجربة فردية شخصية فيجعل الحكم عاما على كل ابناء الصنف .
ومغالطة جعل ما ليس بعلة علة كمن يقول أن منشأ الدين هو الخوف ، فحتى إذا سلَّمنا بهذه الفكرة فهي لا توصل الى المطلوب لأن كون فكرة الدين نشأت عن الخوف لا يعني أن واجب الوجود غير موجود ، أساسا هناك فرق بين الدليل والمنشأ فهذه مغالطة واضحة ، لأن وجود واجب الوجود غير مرتبط بخوف الانسان وعدم خوفه وانما مرتبط بالبحث النظري في الدليل على وجود الخالق .
وختاماً :
1- بحث المغالطات المنطقية من الأبحاث المهمة جدا فبمعرفتها يمكن تجنب كثير من الجدل الذي نراه في حياتنا اليومية وهو جدل لا ينتهي لأنه مملوء بالمغالطات .
2- وأنا أمنيتي ان تُدرج مادة المنطق في الدراسات الأكاديمية منذ مرحلة المتوسطة كمادة أساسية ملزمة للطالب حتى يتعرَّف الطالب على التفكير المنطقي وطرق الاستدلال الصحيح ، ويعرف كيف يدخل في القضايا وكيف يخرج منها ، ومتى يجب ان ينهي النقاش ومتى يجب ان يستمر فيه هذا فضلاً عن معرفة المغالطات . وإذا لم يكن ذلك متاحا فينبغي للطلاب أن يتباحثوا في هذه المادة في العطلة الصيفية على أقل تقدير .
المحاضرة كاملة على اليويتيوب