نتبع الفقهاء ولا نتبع اليماني
بقلم: الشيخ مازن المطوري
استمعت قبل أيّام خلت لحديث لأحد المشايخ من الذين لكلامهم بعض السمع عند عامّة الناس، وقد كان يتحدّث عن الأزمات التي يمرّ بها العالم العربيّ هذه الأيّام وعلاقتها بظهور الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف.
ثم تكلّم عن شخصيّة اليمانيّ التي هي من علامات الظهور ووصفها بأنّها راية حقّ وهدى وأضاف: (لما يظهر اليمانيّ يرسل رسالة للإيرانيّين يقول لهم فيها إنّ ولاية الفقيه قد انتهت وعليكم باتباعي، وكذا يرسل رسالة لمراجع النجف ويقول لهم ضعوا رسائلكم العمليّة على جَنب وعليكم باتباعي، ويكون هو الموجّه للحوزات العلميّة في النجف والدولة القائمة في إيران من مكان مستقرّه وهو اليمن. وإنّ ذلك سوف يُحدث زلزلة عند أهل العلم ويستعظمونه، لأنّهم لا يتصوّرون كيف أنّهم يأخذون بكلام رجل يرتدي "وزرة" [اللباس التقليدي لأهل اليمن] و.. الخ).
وقد تأسّفت كثيراً من كلام هذا الشيخ الذي هو في أرذل العمر، ويردد هذه الخرافات التي ليس لها أصل معتمد، وتُسهم في زلزلة عقائد الناس وضعف إيمانهم بالفقهاء الذين هم حملة أمانة أهل البيت عليهم السلام، ويكون من تداعيات ذلك أن يميل الناس مع كل ريح ومدّع للسفارة والنيابة واليمانيّة وما شاكل. فأحببت التوقّف بإيجاز عند هذه المسألة، فأقول:
إننا تارة نبحث عن كون اليماني ورايته من علامات ظهور الإمام المهدي وبداية حركته عليه السلام. وتارة أخرى نبحث عن وجوب اتّباع اليماني وحرمة القعود عنه لمّا يخرج:
[ اليماني من علامات ظهور الإمام المهدي عليه السلام ]
1- أما الأمر الأوّل أي كون اليمانيّ من علامات الظهور فهذا من الأمور التي وردت فيها الروايات الكثيرة عن أهل البيت عليهم السلام، فقد عدّت خروج اليمانيّ من العلامات الحتميّة للظهور المبارك.
إذاً كون ظهور اليمانيّ من العلامات الأساسيّة في حركة ظهور الإمام المهديّ وإعلانه لثورته المباركة ممّا لا شكّ فيه ولا ريب. وقد ادُّعي استفاضة هذه الروايات ويمكن ملاحظتها في مصادرها.
على أن هذه العَلاَمة قد اختصت بها الروايات الواردة عن طريق أهل البيت عليه السلام ولم يرد من طريق أهل السنّة ولا رواية واحدة تتعلّق باليمانيّ وشخصيّته.
[ عدم الدليل على وجوب اتّباع اليمانيّ ]
2- وأمّا الأمر الثاني أي وجوب اتّباعه وتكليف المؤمنين تجاه اليمانيّ وكون تحرّكه حجّة على الناس بنحو يوجب الالتحاق به وحرمة القعود. فهذا الأمر ممّا لا دليل عليه، أي لا يوجد لدينا دليل يقول: يجب على المؤمنين اتّباع اليمانيّ فيما لو ظهر وتَركُ اتّباع الفقهاء الذين أرجع الأئمّة (عليهم السلام) المؤمنين إليهم.
وذلك أنّ الروايات التي تتحدّث عن اليمانيّ غاية ما يثبت بها هو وجود حركة لشخص يلقّب باليمانيّ تسهم في التمهيد للإمام، أمّا أزيد من ذلك أي كونه واجب الاتّباع على الناس فهذا لا دليل عليه.
[ مناقشة الاستدلال بروايات راية اليماني راية هدى ]
نعم توجد رواية تفرّد بنقلها الشيخ أبو زينب النعماني في غيبته (غيبة النعماني) وهي طويلة نسبياً ورد فيها المقطع التالي: (وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني وهي راية هدى لأنه يدعو إلى صاحبكم، فإذا خرج اليماني: 1- حرم بيع السلاح على الناس وكلهم مسلم, 2- وإذا خرج اليماني فانهض إليه فإنّ رايته راية هدى 3- ولا يحلّ لمسلم أن يلتوي عليه فمن فعل ذلك فهو من أهل النار لأنّه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم). [غيبة النعماني، ص 264].
فهذا النصّ صريح في كون اليمانيّ واجب الاتّباع على المؤمنين عند خروجه وحرمة الالتواء عنه والتخلف عن حركته.
إلّا أنّنا لا يمكننا الاعتماد على هذه الرواية لإثبات وجوب اتّباع اليمانيّ وحرمة القعود عن حركته لأكثر من سبب:
أولاً: إنها خبر واحد ظنّي لا يصح التعويل عليه لإثبات حقانيّة راية وحركة معينة، بل نحتاج إلى الجزم والقطع واليقين في مثل هذه الأمور، وخبر الواحد لا يعطينا سوى الظن.
ثانياً: إنّها ضعيفة السند. فأحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفيّ الواقع في سندها مجهول الحال. وكذا وقع في اسنادها الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني، وهو من رؤوس فرقة الواقفة المنحرفة، وقد نصّ الشيخ الطوسيّ على ضعفه، وقال الشيخ الكشيّ إنّه كذّاب.
إذن فالرواية ضعيفة سنداً، وليست بحجّة شرعاً، فلا يمكن الاعتماد عليها في هذا الأمر الخطير.
[ مناقشة حرمة بيع السلاح عند ظهور اليمانيّ ]
ثالثاً: إن الرواية قد تضمّنت بعض الأحكام الفقهيّة من قبيل حرمة بيع السلاح عند خروج اليمانيّ. ومن المعروف أنّ الفقهاء قد ألّفوا مجموعة كتب لجمع وترتيب وتصنيف الروايات التي تتحدّث عن الجوانب الفقهيّة، وبأدنى مراجعة لهذه الكتب فإنّا لا نجد لهذه الرواية أيّ ذكر، فلو راجعنا الوسائل للحرّ العامليّ والمستدرك على الوسائل للميرزا النوريّ لا نجد هذه الرواية، مع أنّ كتاب غيبة النعماني الذي أورد هذه الرواية كان موجوداً في زمن الحرّ العامليّ والنوريّ وبأيديهما وتحت نظرهما، ولكن مع ذلك لم ينقلا هذه الرواية منه مع تضمّنها لحكم فقهيّ وهو حرمة بيع السلاح.
وكذا الكتاب الأوسع والأكثر جامعيّة لروايات الفقه أعني كتاب (جامع أحاديث الشيعة) الذي أُلّف تحت إشراف ورعاية السيّد حسين الطباطبائيّ البروجرديّ، فإنذه لم ينقل هذه الرواية كذلك، على الرغم من أنّه حاول جمع كل الروايات التي تتحدّث عن الجوانب الفقهيّة وهو أكثر جامعيّة من جميع الكتب الروائيّة الفقهيّة. وخلو هذه الكتب الفقهيّة من هذه الرواية عامل ضعف آخر لها.
من هذا نخرج بنتيجة أنّه لا يمكننا الاعتماد على هذه الرواية لإثبات تكليف على المؤمنين بوجوب اتّباع اليمانيّ فيما لو خرج.
نعم غاية ما يُستفاد من الروايات الأخرى هو كون هذه الراية تمهّد للإمام وأنّه من العلامات الحتميّة، ولكن هذا شيء ووجوب الاتّباع لها وحرمة التخلّف عنها شيء آخر. ففرق بين كون راية معيّنة راية حقّ وهدى وبين وجوب اتّباعها [في غير المعصوم عليه السلام].
فعلى سبيل المثال نحن نعتقد بأنّ تحرّكات بعض فقهائنا تحرّك محقّ وهدى وحجّة ومنجّز ومعذّر لمقلديهم فقط، وليس حجّة على من يقلد غيرهم من الفقهاء، والفقهاء الآخرون كذلك حجّة على مقلّديهم ورايتهم راية هدى، بسبب أنهم يعملون تحت إطار مذهب الحق، ووفق الضوابط الفقهيّة والاجتهاد المنجز المعذّر.
والمتحصّل من ذلك كلّه:
إن الفقهاء الجامعين للشرائط المذكورة في كتب الفقه هم حجّة الأئمّة عليهم السلام علينا، ولا نعدل عن ذلك لأي أحد سواء كان اليمانيّ أو غيره، إلى أن يخرج الإمام المهديّ روحي فداه ويثبت لدينا بالجزم والقطع واليقين والإعجاز أنّه الإمام المهديّ محمّد بن الحسن العسكريّ عليهما السلام، عند ذلك نأخذ الموقف والتكليف منه. ونبقى على احترامنا واجلالنا للفقهاء الذين كانوا وما زالوا موضع أمانة الأئمّة عليهم السلام.
وكلام الشيخ آنف الذكر خاطئ وليس له أساس معتبر، وله مردود سلبيّ ونتائج غير صحيحة. فاللّازم على المتكلّمين والمبلغين وغيرهم التثبّت من الكلام ولا يطلقونه على عواهنه، كما ينبغي التثبّت من الروايات التي يريدون نقلها خصوصاً في مثل هذه الأمور.