حَتمِيَّة اليَوم "من يَستَغفرْ اللهَ يغفرُ له اللهُ"
بقلم: السيد بلال وهبي
جاءت هذه الحتمية في قوله تعالى: "وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا"﴿110/النساء﴾.
حاشا لله أن يَسُدَّ منافذ الخلاص على من يرغب بالنجاة من ظلم أوقع نفسه به أو تسبب به لغيره، وحاشاه أن يُغلقَ بابه في وجه العائد إليه، إنَّه تعالى يُبَيِّنَ المَخرجَ له، فهو الرحمان الرحيم والغفَّار والسَتَّار والتوّاب، يتوب على من قصده بالتوبة، ويغفر لمن استغفره، ويرحم من استرحمه، بل يرحمه قبل أن يسترحمه.
[ إنّ الله يحبّ التوابين والمستغفرين ]
إنه تعالى يعلم أن الإنسان مخلوق ضعيف، أمام ما ركَّبَ فيه من الشهوات والغرائز والأهواء، ويعلم أنها تضغط عليه بقوة وعنفٍ، وحين يسقط في براثنها يكون منه الكثير من السوء والاعتداء والظلم لنفسه ولغيره، ويتحوَّل من شخصٍ إيجابي بَنَّاءٍ يعمل الخير وينشره، إلى شخص سلبي هدَّام يُدّمِّر ولا يبني ويُفسِد ولا يُصلح، إن الله تعالى يريد له إن وقع في قبضة أهوائه وغرائزه أن يتخلص منها، وإن قَيَّدته أن يتحرر من قيودها، فيدعوه إلى التوبة من قريب، فإن تاب وأناب ورجع إلى حيث يريد الله له، قبل توبته، وأحبَّه.
[ الاستغفار وأنواع الذنوب ]
إن الآية الكريمة دَلَّت على نَوْعَين من الذنوب:
النَّوْع الأول: هو الذنوب التي يفعلها الشخص مع الغير، كالسرقة، والغش، وشهادة الزور، والتطفيف في الميزان، والغيبة والنميمة، والبهتان، والسُخرية والاستهزاء، والافتراء، وذمِّ من لا يستحق الذَّمَّ، وهتك الحرمة، وكشف الستر، والتعيير بالذنب والخطأ، ونظائر ذلك مما يُسيء به الشخص إلى غيره، ففي هذه الأمور السيئة ونحوها ظلم للغير، وظلم للنفس بما جنى عليها من هذه المنكرات التي تُبعِدُه عن ربه وتُعَرِّضُهُ لسُخْطِهِ ونِقْمَته وعذابه، وهذا معنى قوله تعالى: "وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا". فإن المراد بالسوء التعدي على الغير.
والنَّوع الثاني: هو الذنوب التي تَضُرُّ به شخصياً، كشرب الخمر، وأكل الحرام، وترك الصلاة، والكذب، ونحو ذلك من الذنوب التي يرجع ضررها عليه ذاتاً، فهذا إضرار بالنفس وظلم لها، والظلم هو إزالة الشيء عن موضعه الذي ينبغي أن يكون فيه، فعندما يُذنب الشخص فإنه يزيل نفسه من مواضع الطاعة ومواضع السعادة والهناء إلى مواضع المعصية والشقاء فيكون ظالماً لها من دون شك، وهذا معنى قوله تعالى: "أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ". وعليه فيكون قوله تعالى: "وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ" جامعاً لأفعال السوء كلها، ما كان منها مُتَعدِّياً أثره إلى الغير، وما كان مقصوراً على النفس وحدها.
وعلى أية حال فالغفور الرحيم يستقبل المستغفرين في كل حين، ويغفر لهم ويرحمهم متى جاءوه تائبين، ويتجاوز عما كان منهم، ويستر عليهم، هكذا بلا قيد ولا شرط ولا حجاب ولا بَوَّاب، حيثما جاؤوا تائبين مستغفرين وجدوا الله غفوراً رحيماً، والتوبة تحتاج إلى توفيق من الله، فمن تاب دلَّت توبته على توفيق الله له، وقد رُوِيَ عن الإمام عَلِي (عليه السلام) أنه قال: "مَنْ أُعْطِيَ الاستِغْفارَ لَمْ يُحْرَمْ الإِجابَةَ". فيَحْسُنُ به أن يسجد لله شاكرا توفيقه وحُسْنَ رعايته.
[ سرعة استجابة الله تعالى وقبول توبة عباده ]
أمّا قوله تعالى: "يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا" فهو إشارة إلى سُرعة إجابة الله له وقبول توبته، كأن الله تعالى في انتظاره فاتحا له الباب على مصراعيه ليلج منه إلى رحاب الرحمة والمغفرة، فلا عوائق أمام رجوع المذنب، ولا موانع تمنعه من التوبة، فالأمر كله مرتبط بإرادته وعزمه ومشيئته متى ما شاء التوبة وُفِّقَ لها وقُبِلَتْ مِنه، والذنب ليس واقعا يجب أن يلازمه، والظلم ليس قَدَراً لا يَقْدِرُ على تغييره.
[ الاستغفار يكون من الذنوب الكبيرة والصغيرة ]
وفي الختام أقول: إنّ الآية الكريمة قالت: "وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا" وهي مطلقة، وإطلاقها يشمل الذنوب الكبيرة والصغيرة، وهذا يعطي للتائب أملا عظيما، كما يدل على عظمة وسعة رحمة الله تعالى.
نصيحة:
جاهد نفسك، وامنعها من الإساءة إلى غيرك، وادفع الظلم عنها، فإن خانتك ووقعت في الذنب فعاجل التوبة، واحذر أن تيأس من رحمة الله.
السيد بلال وهبي
فجر يوم الأربعاء الواقع في :1/12/2021 الساعة (04:01)