القائمة الرئيسية

الصفحات

ما هي نظرية وضع اللفظ لروح المعنى في التفسير ؟ ومن تبناها من المفسرين ؟ وما تطبيقاتها ؟

 

نقد نظرية وضع اللفظ لروح المعنى في التفسير

أسئلة زوار المدونة | السؤال 27

الاسم : أحمد

الدولة : العراق

السؤال : ما هي نظرية روح المعنى و من عمل بها من المفسرين القدماء والمحدثين؟ مع بيان هذه نظرية  من خلال الأمثلة القرآنية .

الجواب

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

أولاً : التعريف بنظرية وضع اللفظ لروح المعنى

يراد بنظرية روح المعنى أنّ الواضع لم يلحظ عند وضع الألفاظ معانيها الماديّة بل جردها من قوالبها الماديّة ووضَع اللفظ للمعنى العام الذي ينطبق على الحقائق الغيبية أيضاً ، فمثلاً إذا أخذنا مفردة ( القلم ) فإنّ الواضع - وفق نظرية روح المعنى - لم يلحظ فيه أن يضع اللفظ لما كان بهذا القالب المتعارف الخشبي أو غيره بل وضعه للمعنى العام الذي يشمل كلّ ما يؤدي غرض نقش المعلومة ورسمها سواء كان الرسم على قرطاس أو في الذهن لا فرق في ذلك ...

وبهذا تضيق وتنحسر دائرة المجازات في اللغة فيكون مثلاً استعمال كلمة اليد في القوّة ليس من المجاز لأنّ مفردة اليد لم يلحظ الواضع فيها قالباً مادياً معيناً وإنما وضعها للمعنى المجرّد العام والذي من مصاديقه القوّة .

وتأخذ نظرية روح المعنى مع السيّد محمد حسين الطباطبائي (قدّس سرّه) بُعداً أكثر دقّة ممّا عليه الفيض الكاشاني (قدّس سرّه) حيث يرى السيّد الطباطبائي أنّ الضابطة في صدق الألفاظ على معانيها هو اشتمال المعنى (المصداق) على الغرض والغاية فأي مصداق انطبقت عليه هذه الضابطة صحّ استعمال اللفظ فيه حقيقة وليس مجازاً ، وننقل هنا كلامه (قدّس سرّه) بتمامه لأهميته حيث قال: " المسميات المادية محكومة بالتغير والتبدل بحسب تبدل الحوائج في طريق التحول والتكامل كما أن السراج أول ما عمله الانسان كان اناء فيه فتيلة وشئ من الدهن تشتعل به الفتيلة للاستضائة به في الظلمة، ثم لم يزل يتكامل حتى بلغ اليوم إلى السراج الكهربائي ولم يبق من اجزاء السراج المعمول أولا الموضوع بإزائه لفظ السراج شئ ولا واحد. وكذا الميزان المعمول أولا، الميزان المعمول اليوم لتوزين ثقل الحرارة مثلا. والسلاح المتخذ سلاحا أول يوم، السلاح المعمول اليوم إلى غير ذلك.

فالمسميات بلغت في التغير إلى حيث فقدت جميع أجزائها السابقة ذاتا وصفة والاسم مع ذلك باق، وليس إلا لان المراد في التسمية إنما هو من الشئ غايته، لا شكله وصورته، فما دام غرض التوزين الاستضائة أو الدفاع باقيا كان اسم الميزان والسراج والسلاح وغيرها باقيا على حاله.

فكان ينبغي لنا ان نتنبه أن المدار في صدق الاسم اشتمال المصداق على الغاية والغرض، لا جمود اللفظ على صورة واحدة، فذلك مما لا مطمع فيه البتة، ولكن العادة والانس منعانا ذلك " (الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن: ج1 ، ص10).

ثانياً : أهمّ المفسرين الذين أخذوا بنظرية وضع الألفاظ لروح المعاني

عمل بنظرية روح المعنى عدد من المفسرين ابتداءً من أبي حامد الغزالي (ت 505 هـ) وصولاً إلى المفسر الكبير السيّد محمّد حسين الطباطبائي (قدّس سره) في العصر المتأخر ، وعلى أي حالٍ نذكر جملةً منهم:

1- الغزالي في جواهر القرآن .

إنّ أوّل ظهور واضح لهذا المبنى يرجع لأبي حامد الغزالي (ت505 هـ) في كتابه (جواهر القرآن) حيث أشار لها في غير موضع فيه منها في تفسير قوله تعالى في سورة العلق : { عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } حيث قال: " روح القلم وحقيقته التي لا بُدَّ من تحقيقها إذا ذكرت حدّ القلم هو الذي يكتب به، فإن كان في الوجود شيء يتسطر بواسطته نقش العلوم في ألواح القلب فأخلق أن يكون هو القلم، فإن الله ﴿عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾. وهذا القلم روحاني إذا وجد فيه روح القلم وحقيقته، ولم يعوزه إلاّ قالبه وصورته، وكون القلم من خشب ليس من حقيقة القلم ... إلى آخر كلامه " (يُنظر : الغزالي، جواهر القرآن: 29 – 30 )

2- صدر المتألهين الشيرازي

وإن كان قد اشتهر صدر المتألهين الشيرازي (ت 1050هـ) بالفلسفة إلّا أنّه مفسر أيضاً وله تفسير مطبوع وهو يتبنّى نظرية وضع الألفاظ لروح المعنى حيث نقل في كتاب مفاتيح الغيب كلاماً للغزالي في هذه المسألة ثمّ عقّب عليه بقوله : " الأصل في منهج الراسخين في العلم هو إبقاء ظواهر الألفاظ على معانيها الأصلية من غير تصرّف فيها، لكنْ مع تحقيق تلك المعاني، وتخليصها عن الأمور الزائدة، وعدم الاحتجاب عن روح المعنى؛ بسبب غلبة أحكام بعض خصوصياتها على النفس، واعتيادها بحصر كلّ معنى على هيئة مخصوصة له، يتمثَّل ذلك المعنى بها للنفس في هذه النشأة. فلفظ الميزان مثلاً موضوعٌ لما يوزن به الشيء مطلقاً، فهو أمر مطلق يشمل المحسوس منه والمتخيل والمعقول، فذلك المعنى الشامل روح معناه وملاكه من أن يشترط فيه تخصيصه بهيئة مخصوصة، فكل ما يقاس به الشيء بأيّ خصوصية كانت، حسية أو عقلية، يتحقق فيه الميزان، ويصدق عليه معنى لفظه. فالمسطرة والشاقول والكونيا والإسطرلاب والذراع، وعلم النحو والعروض وعلم المنطق وجوهر العقل، كلها مقاييس وموازين توزن بها الأشياء، إلاّ أن لكلّ شيء ميزان يناسب ما يجانسه، فالمسطرة ميزان…، والمنطق ميزان الفكر، يعرف به صحيحه من فاسده، والعقل ميزان الكلّ ما كان كاملاً، فالكامل العارف مشاهدته عن الأمر الذي له كفّتان وعمود ولسان، وهكذا حاله في كلامه يسمع ويراه، فإنّه ينقل فحواه، ويسافر من ظاهره وصورته إلى روح معناه، من دنياه إلى أخراه " (صدر المتألهين، مفاتيح الغيب: ص92).

وعن الرابطة بين الحسّ وروح المعنى يقول صدر المتألهين في تفسيره ( تفسير القرآن الكريم) ج2 ص192- 193 : " أن الغرض الأصلي منه إيضاح المعنى المعقول ، وإزالة الخفاء عند إبرازه في صورة المشاهد المحسوس ، ليساعد فيه الوهم العقل ولا يزاحمه ، فإن العقل الإنساني ما دام تعلقه بهذه القوى الحسية لا يمكنه إدراك روح المعنى مجردا عن مزاحمة الوهم ومحاكاته ، لأن من طبعه كالشياطين الدعابة في التخييل وعدم الثبات على صورة .

ولذلك شاعت الأمثال في الكتب الإلهية ، وفشت في عبارات الفصحاء من العرب وغيرهم ، وكثرت في إشارات الحكماء ومرموزاتهم ، وصحف الأوائل ومسفوراتهم ، تتميما للتخيل بالحس ، فهناك يضاعف في التمثيل ، حيث يمثل أولا المعقول بالمتخيل ، ثم يمثل المتخيل بالمرسوم المحسوس المهندس المشكل " .

وقال في الحكمة المتعالية ج5 ص 214 : " جميع الأمثال الواردة في القرآن ولسان النبوة الغرض فيها تنبيه النفوس العامية عن أحوال الآخرة كما قال تعالى وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها الا العالمون ولعل الغرض للحكماء الكاملين من وضع باب التمثيل في كتبهم المنطقية انما كان لضعفاء العقول الذين لا يمكنهم ادراك روح المعنى وحقيقته الا في قالب محسوس محاك لها " .

3- الفيض الكاشاني في تفسير الصافي

ممّن صرّح بوضع الألفاظ لروح المعنى من علماء الإمامية ومفسّريهم الفيض الكاشاني (ت1091هـ) وهو أحد ابرز تلاميذ الملّا صدرا (صدر الدين الشيرازي) سابق الذكر حيث قال الفيض في تفسير الصافي: " إن لكل معنى من المعاني حقيقة وروحا وله صورة وقالب وقد يتعدد الصور والقوالب لحقيقة واحدة وإنما وضعت الألفاظ للحقائق والأرواح ولوجودهما في القوالب تستعمل الألفاظ فيهما على الحقيقة لاتحاد ما بينهما، مثلا لفظ القلم إنما وضع لآلة نقش الصور في الألواح من دون أن يعتبر فيها كونها من قصب أو حديد أو غير ذلك بل ولا أن يكون جسما ولا كون النقش محسوسا أو معقولا ولا كون اللوح من قرطاس أو خشب بل مجرد كونه منقوشا فيه وهذا حقيقة اللوح وحده وروحه فإن كان في الوجود شئ يستطر بواسطة نقش العلوم في ألواح القلوب فأخلق به أن يكون هو القلم فان الله تعالى قال ....) ثمّ ساق كلام الغزالي وصدر الدين الشيرازي بعينه ثمّ عقّب عليه بقوله: " وأنت إذا اهتديت إلى الأرواح صرت روحانيا وفتحت لك أبواب الملكوت وأهلت لمرافقة الملأ الأعلى وحسن أولئك رفيقا فما من شئ في عالم الحس والشهادة إلا وهو مثال وصورة لأمر روحاني في عالم الملكوت ... " (الفيض الكاشاني ، التفسير الصافي : 1/ 31 -32 ) إلى آخر كلامه ...

4- العلّامة الطباطبائي في تفسير الميزان

عوَّل العلّامة السيد محمد حسين الطباطبائي (ت1402هـ) في تفسيره القيّم (الميزان في تفسير القرآن) على نظرية وضع الألفاظ لروح المعنى في تفسير آياتٍ كثيرة ولاسيَّما آيات الصفات الخبرية وقد نقلنا كلامه سابقاً حول وجهة نظره في هذه المسألة عند التعريف بالنظرية وسيأتي ذكر بعض التطبيقات عنه أيضا .

ثالثاً: بعض التطبيقات القرآنية التي ذكرها من تبنى نظرية روح المعنى

ثمّة تطبيقات كثيرة لنظرية روح المعنى في تفاسير من يتبناها إذ نجدهم قد فسروا جميع الصفات الخبرية تقريبا – من قبيل العرش والاستواء واليد وما شابهها – بالاعتماد على هذه النظرية فيمكنكم مراجعتها ولا سيّما العلّامة الطباطبائي في تفسير الميزان حيث اعتمد على هذه النظرية كثيرا ، ونذكر ههنا بعض التطبيقات على سبيل التمثيل لا غير :

1- قوله تعال: { عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } سورة العلق / 4-5 وقد سبّق بيان وجه الاستناد الى نظرية روح المعنى في تفسيرها عند بيان تبني الغزالي لهذه النظرية .

2- قوله تعالى : { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ } البقرة/ 210 حيث ذهب جمهور المفسرين إلى تقدير كلمة (أمر) أي يأتيهم أمر ربّك .. لكنّ السيد الطباطبائي (قدّس سره) فسّرها بتفسير آخر استناداً إلى نظرية وضع اللفظ لروح المعنى بكون الإتيان هو يُراد به هنا القرب قال في تفسير الميزان ج2 ص102 : " فالمجيء والآتيان الذي هو عندنا قطع الجسم مسافة بينه وبين جسم آخر بالحركة واقترابه منه إذا جرد عن خصوصيه المادة كان هو حصول القرب ، وارتفاع المانع والحاجز بين شيئين من جهة من الجهات ، وحينئذ صح إسناده إليه تعالى حقيقة من غير مجاز : فإتيانه تعالى إليهم ارتفاع الموانع بينهم وبين قضائه فيهم ، وهذه من الحقائق القرآنية التي لم يوفق الأبحاث البرهانية لنيله إلا بعد إمعان في السير ، وركوبها كل سهل ووعر ، وإثبات التشكيك في الحقيقة الوجودية الأصيلة " .

رابعاً: شواهد وأدلة وضع الألفاظ لروح المعنى

أوّلاً: نلاحظ أنّ من جملة ظواهر اللغة ظاهرة تطوّر المسمّى وتغيره بمرور الزمان مع بقاء صدق الاسم نفسه عليه فمثلاً كلمة (السراج) تمّ إطلاقها في أوّل الأمر على السراج البدائي الذي يتكوّن من إناء فيه (فتيلة) وشيء من الدهن يعمل على استمرار اشتعال الفتيلة لغرض الإضاءة ولكن تطوّر السراج كثيراً حتى بلغ في عصرنا هذا السراج الكهربائي بأنواعه المتعددة فقد تغيّرت جميع أجزاءه ومظهره ومع ذلك لا يزال يُطلق عليه الاسم نفسه أعني (السراج) مادام يدي الغرض نفسه وهو الإضاءة .

وهكذا قل في مفردة (الميزان) الذي هو الآخر قد تطور وتغيرت مصاديقه ولكن ظلّ يصدق عليها اسم (الميزان) مادامت تؤدي الغرض نفسه وهو (الوزن) و(العيار) . وثمّة مفردات كثيرة في اللغة من هذا القبيل .

إنّ بقاء انطباق الاسم نفسه على المصداق بعد تطوره وتغير جميع أجزاءه و كفاية مجرّد تحقق الغرض منه في صدق الانطباق يدلّ على أنّ الالفاظ موضوعة لروح المعاني وليس للجزئيات الخارجية .وقد استدلّ بهذا الشاهد على هذه النظرية السيد محمد حسين الطباطبائي (قدّس سره) في مقدمة تفسير الميزان .

ثانيا: لقد وردت ألفاظ كثيرة في النصوص الدينية ذات معانٍ مجرّدة لا يمكن حملها على معانيها المادية للزوم جملة من المحذورات إذا قصرناها على المعاني المادية كمحذور التجسيم أو التشبيه وغيرهما وهذه من قبيل ألفاظ اليد الإلهية واللوح والكرسي والعرش والرحمة الإلهية وغيرها كثير في النصوص الدينية .

أضف إلى ذلك أنّ تفسير جميع هذه الألفاظ على أنّها ضرب من ضروب الاستعمالات المجازية لا يتماشى مع الطبع الصحيح والذوق السليم، فالشارع قد تكلّم عنها بلسان الحقائق التي لا شكّ فيها، وما من شككٍّ في أنّ الأمور الغيبية هي سرّ الحقائق فحملها على المجاز لا يليق بذلك ولا ينسجم معه، فالأولى حمل هذه الاستعمالات على المعاني الحقيقية وذلك بتجريد معانيها عن قيود المادة وأوصافها حتى تستقيم النسبة إليها بهذه الأسماء .

ثالثاً: من المؤيدات والشواهد التي اعتمدوها في اثبات صحّة نظرية وضع اللفظ لروح المعنى هو وجود هذه النزعة والتوجّه في كتب اللغة عند البحث عن الجذر اللغوي للكلمة بأن يكون لهذا الجذر معنى جامعاً ترجع إليه جميع المعاني التي تدلّ عليها اشتقاقات وتصريفات الكلمة ومن الكتب التي اهتمت بهذا الجانب كتاب (مقاييس اللغة) لابن فارس وغيره .

خامساً: نقد نظرية روح المعنى

أولا: بالنسبة للدليل أو الشاهد الأوّل على نظرية وضع اللفظ لروح المعنى فهو محلّ نظر لأنّ وضع الالفاظ لروح المعاني يستلزم أن يكون الواضع الأول قد رأى جميع المصاديق ثمّ انتزع الجامع المشترك بينها ووضع له اللفظ أي أنّه وضعه لمعنى عام يجمعها وهذا متعذر بل محال بالنسبة للواضع الأوّل لأنّه لا يعلم الغيب.

ثانياً: إنّ وضع الألفاظ لروح المعنى لا ينسجم مع كون المقتضي للوضع هو الحاجة المرتكزة على العرف العام السائد في المجتمعات البشرية بملاحظة الوجودات الماديّة للأشياء ثمّ وضع الالفاظ لها بغرض الإفهام والتفهيم بمقدار ما تتطلبه الحاجة فحسب، فإنّ القدر المتيقّن من الوضع هو أنّ الواضع الأوّل قد وضع اللفظ بإزاء شيء ماديّ أولاً احتاج إلى الفهم والتفهيم حوله حاجة دعته الى وضع لفظٍ معيّن له ثمّ توسّع في معناه فشمل لاحقاً الأمور المعنوية والمجرّدة كما شمل المصاديق التي تشبه المصداق الأوّل من حيث الوظيفة والفعل والغرض، بمقدار الحاجة وبمقدار ما يفرضه تطور المجتمعات وأساليب الحياة، فهذا هو التفسير المنطقي لانطباق الاسماء على المسميات حتّى بعد تغيّرها وليس ما ذكروه في الشاهد الأوّل آنف الذكر .

ثالثاً: إنّ بعض الألفاظ التي تمّ الاستدلال بها على نظرية وضع اللفظ لروح المعنى غير تامّة لوضوح عدم التفات الواضع لها للجامع المشترك بين المصاديق المعنوية والمادية في أوّل الأمر ومنها لفظ (النور) فإنّ استعماله بمعنى الهداية لم يكن من جهة ملاحظة هذا المصداق من قبل الواضع الأوّل بل وضعه الواضع الأوّل للنور المادي ومن ثمّ استعملته النصوص الشرعية بمعنى الهداية وبعد كثرة استعماله في المدونات الدينية بهذا المعنى صار ينسبق ويتبادر الى الذهن كأنه موضوع له أيضا بالوضع الأوّل بينما الصحيح أنّه وضع له وضعاً تعيُّنياً أي بسبب كثرة الاستعمال .

رابعاً: إنّ كون الأمور الغيبية حقائق لا يمنع من استعمال المجاز للتعبير عنها لأنّ المجاز لا ينتقص من قيمتها وواقعيتها وإنّما هو اسلوب معتمَد من قبل أهل اللغة في سبيل الإفهام والتفهيم في بيان القضايا التي لا يمكن بيانها على نحو الحقيقة لقصور الاستعمال الحقيقي عن ذلك ، ومن هنا قيل (رُبَّ مجازٍ أفضل من حقيقة) في بيان مقاصد ومرادات المتكلّم، فالمجاز اسلوب من أساليب بيان مراد المتكلّم ولا يخدش بواقعية المتكلّم عنه لا من قريب ولا من بعيد . بل قد يتمّ استعمال المجاز في أحيان كثيرة من باب الضرورة لقصور أسليب اللغة عن بيان المعنى المراد تفهيمه من دون اللجوء الى المجاز .

خامساً: إنّ بحث اللغويين عن الجذر اللغوي للكلمة واستنباط معنى جامع له يشمل معاني جميع اشتقاقات وتصريفات الكلمة لا ينفع في إثبات نظرية وضع اللفظ لروح المعنى وذلك من جهة أنّ اللغويين أنفسهم لم يتفقوا على معاني جذور الكلمات بل اختلفوا فيها أيّما اختلاف لأنها معاني استنباطية فيما يبدو وليست معاني وضعية تعتمد على السماع 

هذا ملخّص البحث في هذه المسألة وللوقوف عليها بشكلٍ مفصّل يمكنكم مراجعة البحث الذي على هذا الرابط : وضع الألفاظ لروح المعاني ، جوا سيحي و قاسم فائز


لإرسال سؤالك اضغط هنا