القائمة الرئيسية

الصفحات

المنهج في دراسة علم الكلام

 

منهج دراسة علم الكلام

إعداد السيد علي أبو الحسن

كيف نبدأ بدراسة علم الكلام؟

ما هي مراحل دراسة علم الكلام؟

ما هي أهم الكتب الكلامية في كل المذاهب الإسلامية؟

بإذن الله تعالى سوف نبتدئ بعرض منهج شامل لدراسة علم الكلام والتخصص فيه، مكوَّن من ثلاث مراحل متدرجة، وقد لحظنا في هذا المنهج  دراسة كتب علم الكلام عند الإمامية (الشيعة) -أعلى الله مقامهم-، كما لحظنا دراسة كتب علم الكلام الخاصة بالمذاهب الإسلامية الأخرى وهم: الأشاعرة والماتريدية والحنابلة والسلفية والزيدية والإباضية، سائلين المولى -عز وجل- التوفيق والسداد، ونبدأ باسمه -تعالى-.

المرحلة الأولى: الابتداء في علم الكلام

تستهدف هذه المرحلة دراسة علم الكلام بصورته التقليدية المتعارفة من زمان العلامة الحسن بن يوسف ابن المطهر الحلي (ت٧٢٦) إلى يومنا هذا، وهي المرحلة الكلامية المتأثرة بأدبيات المنطق الأرسطي التي شُيِّدَت عند الإمامية على يد نصير الدين محمد بن محمد الطوسي (ت٦٧٢).

الدراسة 

في هذه الخطوة يبدأ الطالب بدراسة مجموعة من الكتب وفي أثناء دراسة كل كتاب يتابع مجموعة من الكتب المناسبة لما يدرس.

١- الباب الحادي عشر للعلامة الحلي مع شرح المقداد السيوري (ت٨٢٦) المسمى بالنافع ليوم الحشر.

ملاحظة: في أثناء دراسة الكتاب الأول يتابع الطالب

١- الأنوار الجلالية في شرح الفصول النصيرية للمقداد السيوري (ضروري).

 ٢- الأبحاث المفيدة في تحصيل العقيدة للعلامة الحلي.

ونحوهما من المختصرات كالاعتماد في شرح واجب الاعتقاد للمقداد السيوري وتسليك النفس إلى حظيرة القدس للعلامة الحلي.

٢- معراج اليقين في شرح نهج المسترشدين لفخر المحققين محمد بن الحسن ابن المطهر الحلي (ت ٧٧١).

ملاحظة: يتابع الطالب أثناء دراسة الكتاب الثاني بعض الكتب المناسبة له مثل

١- معارج الفهم في شرح النظم للعلامة الحلي (ضروري).

٢- تذكرة الواصلين في شرح نهج المسترشدين للسيد نظام الدين عبد الحميد الحسيني الحلي ت٧٤٥.

٣- اللوامع الإلهية للمقداد السيوري.

٤- إرشاد الطالبين إلى شرح نهج المسترشدين للمقداد السيوري. 

تنبيه

 في حال شعور الطالب بعدم اقتداره على متابعة الكتب يجب عليه يضيف كتابا للدراسة بعد الكتاب الثاني، والمرجح عندي كتاب معارج الفهم للعلامة الحلي.

القراءة والمتابعة

وبعد إتقان ذلك وإحكامه يتابع الطالب كتب المذاهب الإسلامية الأخرى المناسبة لهذه المرحلة.

١- المذهب الأشعري 

١- الاقتصاد في الاعتقاد لأبي حامد الغزالي (ت٥٠٥) مع تعليقة الشيخ مصطفى عبد الجواد عمران (ت١٤٣٣).

٢- ومعالم أصول لفخر الدين الرازي (ت٦٠٦) مع شرحه لابن التلمساني (ت٦٤٤).

٣- الأربعين في أصول الدين للفخر الرازي (يتابعه الطالب أثناء متابعته لمعارج الفهم للعلامة الحلي).

ولا بأس بمطالعة بعض الكتب التي يبتدئ بها الأشاعرة عادة كشرح السنوسية الكبرى للسنوسي (ت٨٩٤) وشرح جوهرة التوحيد لإبراهيم اللقاني المالكي (ت١٠٤١) وشرح الخريدة البهية لأحمد الدردير (ت١٢٠١).

٢- المذهب الماتريدي 

١- الاعتماد الاعتماد في الاعتقاد (= شرح العمدة في عقيدة أهل السنة والجماعة) لأبي البركات النسفي (ت٧١٠)

٢- المسامرة في شرح المسايرة للكمال بن أبي شريف (ت٩٠٦).

٣- المذهب الحنبلي 

١- قلائد العقيان في اختصار عقيدة ابن حمدان للشمس ابن بلبان الحنبلي (ت١٠٨٣).

٤- المذهب السلفي 

١- شرح الطحاوية لابن أبي العز (ت٧٩٢).

٢- شرح العقيد الإصفهانية لابن تيمية (ت٧٢٧).

تنبيه: أثناء النظر في كتاب ابن أبي العز الحنفي ينبغي الالتفات إلى أن كتاب ابن أبي العز عبارة عن تلخيص لكلمات ابن تيمية الحراني وابن قيم الجوزية (ت٧٥١)، ومن هنا يحسن النظر في الطبعات التي حاولت إرجاع كلمات ابن أبي العز إلى كلمات ابن تيمية وابن القيم، وأهمّها فيما نعلم الطبعة المشتملة على حاشية الشيخ عبد العزيز العبد اللطيف المعاصر.

٥- المذهب الزيدي 

١- الأساس لعقائد الأكياس للمنصور بالله القاسم بن محمد (ت١٠٢٩).

٦- المذهب الإباضي 

١-شرح غاية المراد في نظم الاعتقاد لأحمد الخليلي المعاصر.

تنبيه حول المراد بالمتابعة  

هذا، ومرادي بالمتابعة :

أولا: ملاحظة المسائل الخلافية مع الإمامية في كتب المخالفين أنفسهم.

ثانيا: قراءة الكتاب إجمالا.

ثالثا: استيعاب ما تحويه الكتاب من خلال التدقيق في فهارسها وعناوينها وكيفية ترتيبها.

والمتوقع لهذه المرحلة أن تمتد ثلاث سنوات.

والحمد لله.

مرحلة مستقلة : مرحلة تحصيل العقيدة بالآيات والآثار

لا يخفى اشتمال الكتاب والسنة على الكثير من النصوص العقدية الراجعة إلى التعريف بالغيب مما لا طريق للعقل إليه كما أنها تشتمل كذلك على بيانات عقلية للمسائل العقدية التي يكون للعقل إليها سبيل.

ومن هنا انبغى على طالب علم العقيدة أن يهتم بنصوص الكتاب السنة لتحقيق ثبوتها ودلالاتها من جهة، ولاستكشاف دلالتها العقلية من جهة أخرى.

والذي أقترحه في هذا المجال هو التالي:

الدراسة 

١- اعتقادات الشيخ الصدوق أبي جعفر محمد بن علي ابن بابويه القمي ت٣٨١ مع متابعة تصحيح الاعتقاد المنسوب للشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان العكبري ت٤١٣ مع الاهتمام البالغ بكتاب التوحيد للشيخ الصدوق وبكتابي التوحيد والحجة من كتاب الكافي لثقة الإسلام الشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني ت٣٢٨.

ملاحظة : لم أجد في شروح توحيد الصدوق ما هو متميز ونافع -ولا يبعد رجوع ذلك لقلة اطلاعي-، نعم، حاشية السيد هاشم الطهراني مفيدة ونافعة، وأما شروح وحواشي الكافي المرتبطة بكتاب التوحيد والحجة فالعمدة فيها حاشية رفيع الدين النائيني ت١٠٨٢ ومرآة العقول للمجلسي ت١١١١ والحاشية على أصول الكافي للشيخ علي (الصغير) بن زين الدين الثاني بن محمد بن الحسن بن زين الدين الشهيد العاملي المتوفى في القرن الثاني عشر الهجري، ولا ينبغي الاقتصار على شروح الكتب؛ فهناك كتب جليلة اشتملت على شروح الأحاديث من دون أن تكون شرحا لكتاب معيّن كبحار الأنوار للشيخ المجلسي والدر المنثور من الخبر المأثور وغير المأثور للشيخ علي (الكبير) بن محمد بن الحسن بن زين الدين الشهيد العاملي ت١١٠٣ أو ١١٠٤ ومصابيح الأنوار في شرح مشكلات الأخبار للسيد عبد الله شبر الحسيني ت١٢٤٢.

٢- كتاب الحجة من كتاب الكافي للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني ت٣٢٨ مع متابعة كتاب بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار القمي ت٢٩١.

ملاحظة : تستهدف هذه الدراسة استيعاب عقيدة الإمامة الاثني عشرية وأبعادها الاعتقادية المرتبطة بمقامات الأئمة ع وعلومهم وسيرتهم.

وينبغي الالتفات هنا إلى أن العمدة في تحقيق هذه المعارف هو الرجوع إلى الأخبار بجمعها وتنقيح أعدادها والنظر في أسانيدها وتنقيح دلالتها من خلال مجموعها لا بطرح الاحتمالات المشوّشة للمطالب؛ فإن كثيرا مما يُطرح في بعض الشروح راجع في حقيقته إلى احتمالات بدوية ترتفع من خلال جمع الأخبار وملاحظة نظائرها.

كما ينبغي الالتفات أيضا إلى أن القرآن الكريم عُمدة وأصل في محاكمة الروايات، فلا يصح تجاوزه بوجه من الوجوه.

٣- هداية الأمة إلى معارف الأئمة للشيخ محمد جواد الخراساني ت١٣٩٧، والكتابة عبارة عن منظومة جامعة لمعارف التوحيد والعدل نظمها المصنف ثم شرحها بعد ذلك.

ملاحظة : يجب على طالب العلم عند دراسته لهذا الكتاب استخراج الروايات من مصادرها الأصلية وجمعها والتأمل في أسانيدها ومتونها والتأمل في الوجوه التي يطرحها المصنف للجمع بين الأخبار وتنقيح المراد منها؛ فإن المصنف اعتمد في كتابه على بحار الأنوار الذي هو مصدر ثانوي للحديث، كما أنه لم يركز على مباحث الإسناد والتعمق فيها، فجرى على اعتبار جميع الأحاديث، وفي هذا ما لا يخفى.

وها هنا بعض التنبيهات المرتبطة بهذه المرحلة

التنبيه الأول: لما ارتبطت هذه المرحلة بتحقيق التراث من جهتي الصدور والدلالة = توقف تحقيق الكلام فيها على جملة واسعة من العلوم كعلوم اللغة من معاني المفردات والصرف والنحو والبلاغة ومباحث الألفاظ من علم الأصول وعلمي الرجال والدراية.

نعم، لا مانع من الدخول في هذه المرحلة قبل إتقان هذه العلوم، ولكن لا يبلغ الطالب التحقيق في هذه المرحلة حتى يتقن تلك العلوم نظريةً وتطبيقاً.

التنبيه الثاني: تنبغي متابعة العقائد الأثرية للمذاهب الأخرى؛ وذلك للارتباط الشديد بين رواياتنا وعقائدهم المروية عن سلفهم، فيمكن بذلك تمييز موارد التقية في أخبارنا، كما يمكن فهم الأخبار بصورة أدق؛ لأنها كثيرا ما كانت في مقام الرد على اعتقادات أسلاف المخالفين كالأخبار المرتبطة بالاسم والمسمى والأخبار المرتبطة بالجبر والاختيار والأخبار المرتبطة بتقدم الاستطاعة على الفعل ونحو ذلك من الأخبار.

والذي أقترحه من كتب تناسب هذه المرحلة هو التالي:

١- السنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل ت٢٩٠.

٢- بيان اعتقاد أهل السنة والجماعة لأبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي ت٣٢١.

٣- الإبانة عن أصول الديانة المنسوب لأبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري ت٣٢٤.

٤- شرح السنة للحسن بن علي بن خلف البربهاري ت٣٢٩.

٥- الإبانة الكبرى لعبيد الله ابن بَطّة العكبري ت٣٨٧.

٦- شرح أصول أهل السنة لهبة الله بن الحسن بن منصور الالكائي ت٤١٨.

٧- الأسماء والصفات لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي ت٤٥٨ (ضروري، وعامة كتب البيهقي مهمة).

٨- الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة لقوام السنة الإصفهاني ت٥٣٥ (ضروري).

٩- القدر لأبي بكر جعفر بن محمد بن الحسن الفاريابي ت٣٠١.

١٠- الإمامة والرد على الرافضة لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الإصبهاني ت٤٣٠.

ملاحظات متعلقة بالتنبيه الثاني

الملاحظة الأولى : لم تجر هذه الكتب على نسق واحد، فبعضها يركز على جانب الإفتاء وبعض يركز على ذكر النصوص والأحاديث وبعض فيه تركيز على استدلالات متناسبة مع النصوص.

الملاحظة الثانية : كُتّاب العقائد الأثرية ليسوا على مسلك واحد في التعامل من الآثار العقدية، فطريقة الطحاوي باعتباره حنفيا مخالفة من بعض الجهات لطريقة أحمد بن حنبل الشديد في التمسك بالآثار، وطريقتهما تختلف عن طريقة أبي الحسن الأشعري الذي ادعى الجري على طريقة أحمد بن حنبل من دون أن يلتزم بها تماما، وكذلك طريقة البيهقي مثلا مخالفة لطريقة ابن بطة، فالتنوع في انتخاب الكتب ملحوظ من قبلنا.

الملاحظة الثالثة : توجد عقائد سنّيّة أثرية متأخرة تميّزت باهتمام جماعة بها، وأهم ما يأتي في البال من ذلك العقيدة الواسطية والفتوى الحموية لأحمد ابن تيمية الحراني ت٧٢٧، وأهم شروح الواسطية فيما أرى شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين ت١٤٢١ والكواشف الجلية عن معاني الواسطية للشيخ عبد العزيز المحمد السلمان ت١٤٢٢ والعقود الذهبية على العقيدة الواسطية للشيخ سلطان العميري المعاصر.

الملاحظة الرابعة : قام الشيخ عادل آل حمدان بجمع العقائد الأثرية القديمة مستخرجا لها من بعض الكتب القديمة ومحققا لبعض المخطوطات، فجمع ٦٠ عقيدة أثرية تحت عنوان الجامع في عقائد ورسائل أهل السنة والأثر، وهذه بحسب ما يظهر نافعة في معرفة الجو العام لعقائد سلف المخالفين.

التنبيه الثالث: ومن خلال التنبيه السابق تتضح أهمية متابعة العقائد المنقولة عن أسلاف المذاهب من غير أهل السنة؛ لأنه كثيرا ما صدرت روايات العترة ع لنقدهم والرد عليهم.

ولكن لما كان غالب تراث الفرق الأخرى القديم مندثرا فيما يظهر وجب الاهتمام بكتب الفرق والمقالات التي قررت أقوال أسلاف المذاهب، غير أن اللازم الحذر من تلك الكتب لما فيها من تشويه أقوال الخصوم وقلة التدقيق في نقلها في نسبتها.

وأهم تلك الكتب:

١- الانتصار لأبي الحسين الخياط المعتزلي ت٣١١.

٢- المقالات لأبي القاسم الكعبي المعتزلي ت٣١٩.

٣- مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين لأبي الحسن الأشعري ت٣٢٤.

٤- الفرق بين الفرق لعبد القاهر البغدادي ت٤٢٩.

٥- الفصل في معرفة الملل والنحل لابن حزم الأندلسي ت٤٥٦.

٦- التبصير في الدين لأبي المظفر الإسفراييني ت٤٧١.

٧- الملل والنحل لأبي الفتح الشهرستاني ت٥٤٨.

ملاحظة: يوجد جهد متميّز في تقرير عقائد الفرق من مصادر متقدمة وبيان تطوّرها ونموّها، وهو ما أصدرته جامعة أكسفورد بعنوان "The Oxford Handbook of Islamic Theology"، والذي شارك في كتابته ٣٧ باحثا مع مقدمة نافعة للباحثة الألمانية زابينه شميتكه، وقد صدر الكتاب بعنوان "المرجع في تاريخ علم الكلام" مترجما إلى اللغة العربية بترجمة أسامة شفيع السيد.

وفي هذا الكتاب فوائد كثيرة لا تختص بهذه المرحلة.

التنبيه الرابع: نظرا لاشتمال هذه المرحلة على تحقيق أخبار الإمامة وأحوال الأئمة ع وجبت متابعة تراث الشيعة المشتمل على ما يبيّن فِرَقَ الشيعة وكيفية نشوئها وتحرّكات الغلاة وامتداداتهم.

وأهم ما له تعلق بذلك:

١- فرق الشيعة المنسوب للحسن بن موسى النوبختي المتوفى في أواخر القرن الثالث الهجري.

٢- فرق الشيعة المنسوب لسعد بن عبد الله الأشعري القمي ت٢٩٩ أو ٣٠١.

٣- اختيار معرفة الرجال (= رجال الكشي) للشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي ت٤٦٠.

٤- الفهرست لأبي العباس أحمد بن علي بن أحمد النجاشي الأسدي ت٤٥٠.

٥- فهرست الشيخ أبي جعفر الطوسي ت٤٦٠.

وأهم كتب الغلاة التي تنبغي متابعتها هي كتب النصيرية، ومن أهمها الهفت والأظلة والصراط المنسوبان للمفضل بن عمر الجعفي المتوفى في القرن الثاني الهجري والهداية الكبرى للحسين بن حمدان الخصيبي ت٣٥٨.

التنبيه الخامس: لا أمد لهذه المرحلة؛ فإنه مهما بذل المؤمن من جهد لفهم كتاب ربه وسنة نبيّه ص وعترته ع فلن يصل إلى الغاية ولن يبلغ النهاية؛ فأين العبد وأين الرب؟! ولا حول ولا قوة إلا بالله!

نعم، الجري في الكتب التي اقترحتها سابقا قد يبلغ بحسب العادة ٦ سنوات، وكلٌ ينال بحسب جهده وتوفيق ربه!

التنبيه السادس: لا ترتب لهذه المرحلة على ما سبقها ولا على ما لحقها؛ إذ هي مرحلة مستقلة عن مراحل التحصيل في علم الكلام، فيمكن للباحث في هذا العلم أن يبتدئ بها كما يمكنه أن ينتهي بها، بل يمكنه أن يجعلها مقارنة لتحصيله الكلامي في المراحل الأخرى.

والذي أرجحه أن يجعلها مقارنة لتحصيلها لا يتركها ما دام مهتما بهذا العلم الجليل، فإن لم يتيسر ذلك فلا بأس بأن يجعلها مرحلة ثانية؛ إذ لا ينبغي التأخر فيها لأهميتها وجلالتها.

هذا ما تيسر لبيان منهج البحث والتحقيق في العقيدة من خلال النصوص الشرعية من كتاب وسنة، وقد اختصرت الكلام في ذلك اختصارا شديدا، وإني لأرجو أن لا يكون مخلا!

المرحلة الثانية: علم الكلام غير المرتبط بالمنطق الأرسطي

ترتبط هذه المرحلة بعلم الكلام قبل تقبّل المتكلمين لآليات المنطق الأرسطي في التفكير، حيث اعتمد المتكلمون على آليات فكرية تختلف بعض الاختلاف عن آلية المنطق الأرسطي في الفكر، فاعتمدوا على بعض القواعد التي لا تنسجم تماما مع آليات المنطق كقياس الغائب على الشاهد وكقاعدة "ما لا طريق إلى العلم به يجب نفيُه" وغيرهما من المباني والأصول.

وهذا لا يعني أن هذه المرحلة غير متضمّنة لبعض قواعد المنطق الأرسطي؛ فإن فيها الكثير الكثير مما هو متناسب مع المنطق الأرسطي، فقواعد المنطق الأرسطي الفطرية حيّة في هذه المرحلة، غيرَ أن الاعتماد عليها لم يكن بالأسلوب الأرسطي عادة. 

والشاهد على ذلك أن جملة من المسائل الكلامية بقيت بأدلتها بعد تطور علم الكلام، وإن تغيرت صياغات الأدلة تغييرا طفيفا، كما هو الأمر في إثبات بعض صفات الله تعالى من الحياة والعلم ونحو ذلك.

وكيف كان فلا بد أولا من بيان أهمية دراسة هذه المرحلة من علم الكلام قبل الكلام في كيفية دراستها؛ إذ قد يتوهم أن ضعف بعض مباني هذه المدرسة موجب للاستغناء عنها بالمرحلة الكلامية التي لحقتها. 

والذي يظهر من مبررات لأهمية هذه المرحلة أمور: 

الأمر الأول: متانة مباني هذه المرحلة فيما يرتبط بمباحث العدل والحكمة والتحسين والتقبيح العقليين وما يتفرع عليها من القول بالتكليف واللطف وخلق أفعال العباد والنبوة والإمامة والمعاد، فقد تعمّق المتكلمون في هذه المرحلة، وفصّلوا في بيان الشبهات والإشكالات، وتفنّنوا في دحضها وإسقاطها.

وقد أدى تعمّقهم في هذه المسائل إلى اتكاء من تأخر عنهم عليهم، فمن ينظر في كتب من تأخر وجدها عادةً تلخيصا لمباحث المتقدمين. 

الأمر الثاني: بقاء جملة من المسائل الكلامية غير المبنية على المنطق الأرسطي في تراث المتكلمين المتأخرين، الأمر الذي أدى إلى سوء فهمها وقلة ضبطها من قبل الناظرين في علم الكلام المتأخر من دون نظر في علم الكلام المتقدم، فلأجل استيعاب هذه المسائل والاقتدار على تحقيقها وجب إتقان علم الكلام المتقدم.

وهذا واضح في مسائل اللطف والعصمة ووجوب بعث الأنبياء والجبر والاختيار ونحو ذلك. 

الأمر الثالث: اشتمال علم الكلام المتقدم على مسائل لم يتم البحث فيها باهتمام في علم الكلام المتأخر كمسألة نفي الواسطة في خلق العالم وإبطال التفويض ومسألة مناط استحقاق العبادة وتبعية أحكام الشرع للمصلحة وانعدام العالم قبل المعاد ونحو ذلك من المسائل التي لا يكاد يوجد لها ذكر في مسائل علم الكلام المتأخر إلا على نحو الإشارة. 

الأمر الرابع: الاطلاع على آلية فكرية أخرى تختلف بشكل معتد به عن آلية المنطق الأرسطي في التحقيق والبحث، ومن شأن هذا أن يفتح الآفاق الواسعة أمام الباحث في علم الكلام والتحرر من بعض الأساليب المتعارفة. 

فإذا اتضحت الأهمية نبيّن كيفية دراسة هذه المرحلة، فأقول: 

الذي أرجحه أن يدرس الطالب كتابا واحدا في هذه المرحلة بشرط أن يتابع التراث الكلامي لهذه المرحلة، وذلك وفقا للتفصيل التالي: 

يدرس الطالب كتاب شرح جمل العلم للسيد علي بن الحسين الموسوي المعروف بالشريف المرتضى ت٤٣٦، ويتابع: 

١- التراث الكلامي الإمامي الجاري على عامّة مباني السيد المرتضى في كتاب جمل العلم، ويتمثل في هذه الكتب: الملخص في أصول الدين والذخيرة في علم الكلام للسيد المرتضى وتقريب المعارف لأبي الصلاح تقي الدين بن نجم الحلبي ت٤٤٧ وتمهيد الأصول والاقتصاد للشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي ت٤٦٠ وإشارة السبق لعلي ابن أبي المجد الحلبي المتوفى في القرن السادس والتعليق في علم الكلام لقطب الدين أبي جعفر محمد بن علي ابن المقرئ النيسابوري المتوفى في القرن السادس وغنية النزوع للسيد أبي المكارم حمزة ابن زهرة الحلبي ت٥٨٥. 

٢- التراث الكلامي الإمامي المناسب لهذه المرحلة غير الجاري على عامّة مباني السيد المرتضى في جمل العلم، ويتمثل في كتب الشيخ أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري المعروف بالمفيد ت٤١٣ الكلامية ككتاب أوائل المقالات وكتاب النكت وكتاب المسائل السروية والمسائل الكبرية وفي كتاب كنز الفوائد للشيخ أبي الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي ت٤٤٩ وكتاب المنقذ من التقليد للشيخ سديد الدين محمود الحمصي الرازي المتوفى في نهاية القرن السادس أو بداية السابع وكتاب المسلك في أصول الدين للمحقق جعفر بن الحسن الحلي ت٦٧٦.

٣- التراث الكلامي المعتزلي والزيدي المناسب لهذه المرحلة، ويتمثل في تراث معتزلة البصرة -وهي المدرسة التي جرت عليها جملة كبيرة من مباني السيد المرتضى- ككتب القاضي عبد الجبار الهمداني ت٤١٥ من المغني وشرح الأصول الخمسة والمجموع المحيط بالتكليف وكتاب شرح أصول ابن خلاد البصري لأبي طالب يحيى بن الحسين الهاروني الزيدي ت٤٢٤، ويتمثل أيضا في تراث مدرسة بغداد ككتاب عيون المسائل لأبي القاسم البلخي الكعبي ت٣١٩

وتراث مدرسة أبي الحسين البصري ت٤٣٦ ككتاب تصفح الأدلة لأبي الحسين البصري (لم يصلنا الكتاب كاملا) وكتابي الفائق في أصول الدين والمعتمَد في أصول الدين لركن الدين محمود ابن الملاحمي الخوارزمي ت٥٣٦. 

٤- التراث الأشعري المناسب لهذه المرحلة، ويتمثل في كتاب اللمع لأبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري ت٣٢٤ وكتاب مجرد مقالات الأشعري لأبي بكر بن فورك ت٤٠٦ وكتب القاضي أبي بكر محمد بن الطيب الباقلاني ت٤٠٣ من هداية المسترشدين في شرح اللمع للأشعري (لم يُطبع بعد) والإنصاف فيما يجب الاعتقاد به ولا يجوز الجهل به والتمهيد وكتاب البيان عن أصول الإيمان لأبي جعفر محمد بن أحمد السمناني ت٤٤٤ وكتاب الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد والعقيدة النظامية لإمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني ت٤٧٨. 

٥- التراث الماتريدي المناسب لهذه المرحلة، ويتمثل في كتاب التوحيد لأبي منصور الماتريدي ت٣٣٢ وكتاب أصول الدين لأبي اليسر محمد بن محمد البزدوي ت٤٩٣ وكتاب تبصرة الأدلة لأبي المعين ميمون بن محمد النسفي ت٥٠٨. 

٦- التراث الحنبلي المناسب لهذه المرحلة، ويتمثل في كتاب المعتمد للقاضي أبي يعلى الفراء البغدادي الحنبلي ت٤٥٨ وكتاب الإيضاح لأبي الحسن علي بن عبيد الله ابن الزاغوني البغدادي الحنبلي ت٥٢٧. 

٧- التراث السلفي المناسب لهذه المرحلة، وهو نادر؛ فإنه لم تجر عادة السلفيين على الكتابات بالطرق الكلامية، وأهم ما يُقارب الطرق الكلامية كتاب الرد على الزنادقة والجهمية المنسوب لأحمد بن حنبل ت٢٤٠ وكتاب النقض على بشر المريسي لعثمان بن سعيد الدارمي ت٢٨٠ وكتاب الرد على أهل زبيد في الحرف والصوت لأبي نصر عبد الله بن سعيد السجزي ت٤٤٤. 

٨- التراث الإباضي المناسب لهذه المرحلة، وهو نادر جدا، وأهم ما وقفت عليه في ذلك ست رسائل لعبد الله بن يزيد الفزاري المتوفى في القرن الثالث وثلاث رسائل إباضية لأبي المنذر بشير بن محمد بن محبوب ت٢٩٠ وكتاب الرد على جميع المخالفين لأبي خزر يغلا بن زلتاف ت٣٨٠ وكتاب الموجز لأبي عمار عبد الكافي الاباضي المتوفى في القرن السادس (مهم) والدليل والبرهان لأبي يعقوب يوسف بن إبراهيم الوارجلاني ت٥٧٠. 

تنبيهات: 

التنبيه الأول: ليس المراد بالمتابعة القراءة الكاملة لهذه الكتب، بل المراد قراءة أجزاء معتد بها منها لمعرفة الأسلوب ومواضع الاختلاف في المنهج مع التركيز على مراجعة المذهب المنتَقَد من كتب أصحابه لينظر الطالب في قيمة الإشكالات الموجهة إلى المذاهب الأخرى بشكل موضوعي. 

التنبيه الثاني: لا يستغني الطالب في هذه المرحلة عن جملة من الكتب التي توضح الاصطلاحات وتشرح المباني الكلامية القديمة، وأهم ما وقفت عليه في هذا الباب المقدمة في علم الكلام للشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي وشرحها للسيد عبد الرحمن الحسيني الرازي ت٥٨٢ والمسائل في الخلاف بين البصريين والبغداديين للأبي رشيد سعيد بن محمد النيسابوري ت٤٤٠ والتذكرة في أحكام الجواهر والأعراض لابن متويه ت٤٦٩ وشرح التذكرة لمؤلف مجهول من أهل القرن السادس الهجري، والحدود المنسوب للسيد المرتضى والحدود لابن المقرئ النيسابوري، وأعلام الطرائق والحدود لابن شهرآشوب المازندراني ت٥٨٨، والحدود لأشرف الدين صاعد بن محمد بن صاعد البريدي المتوفى في القرن السادس. 

التنبيه الثالث: توجد تفاسير تميزت بالاشتمال على المطالب الكلامية وربطها بالقرآن الكريم، وأهمها تنزيه القرآن عن المطاعن وتأويل متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار الهمداني وتفسير التبيان لشيخنا أبي جعفر الطوسي وتأويلات أهل السنة لأبي منصور الماتريدي والتهذيب في التفسير للحاكم المحسن بن محمد بن كرامة الجشمي ت٤٩٤ ومجمع البيان لأمين الإسلام الشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي ت٥٤٨. 

التنبيه الرابع: المظنون أن تمتد هذه المرحلة سنتين، وقد يُتمّها المحصّل الجاد في سنة.