القائمة الرئيسية

الصفحات

لحياة سعيدة اخفض مستوى توقعاتك تجاه الآخرين

 

لحياة سعيدة اخفض مستوى توقعاتك تجاه الآخرين

هدف اليوم : أن أَتَجَنَّبَ التوقعات العالية

بقلم السيد بلال وهبي

إن من الأمور التي يغفل كثيرون عن تأثيرها المباشر عليهم من حيث الشعور بالشقاء أو السعادة، وكذا تأثيرها على علاقتهم بالآخرين، هي تلك التوقعات التي يتوقعها الشخص في حياته، فإن كانت توقعاته عالية وجاء الواقع على عكس ما يتوقع فإن ذلك يترك تأثيرا سلبيا عليه، فَيَعْظُمُ حزنه، ويَتَعَمَّقُ يأسه، فلا يرى في حياته إلا التعاسة والشقاء، وإليك قارئي الأمثلة التالية التي تشهد لما أقول:

لو كنت محتاجا وتوقعت من شخص ما أن يقضي حاجتك، فذهبتَ إليه وأخبرته بها لكنه اعتذر منك ولم يهتم لأمرك، فسيترك ذلك تأثيرا سلبيا في نفسك بلا شكٍ.

وهَبْ أنك عملت عملا وتوقعت من الناس أن يُثنوا عليك ويمدحوك ويرفعوك فوق الرؤوس، وكان الواقع خلاف ذلك فسيحزنك الأمر كثيرا، وقد يؤدي بك الحال إلى تزعزع الثقة بنفسك. 

وتَخَيَّل لو أنك كنتَ تحادث شخصا عبر الهاتف، وتوقعت أن يكون صادقا كريما شهما شجاعا مهذبا جميلا، وحين التقيته في الواقع ظهر لك خطأ توقعاتك فقد تندم على محادثتك إياه.

وهَبْ أنك توقعتَ أن تنال من تجارة ربحا وفيرا وكان الربح في الواقع أقلّ من المتوقع بكثير فكيف سيكون حالك؟! سيتملكك الإحباط والشعور باليأس، رغم أنك لم تخسر في الصفقة، جُلُّ ما في الأمر أنك لم تحصل على ما كنت تتوقعه من أرباح.

ثم تعالَ ننظر إلى الأمر عكس ما تقدم، فهب أنك توقعت القليل من الأرباح ولكنها في الواقع كانت أكثر مما توقعت فستشعر بالفوز والغِبطة، ويغمر السرور قلبك، ولو أنك ذهبت إلى إنسان تطلب منه مساعدة مالية فأعطاك فوق ما توقعت فستكون في منتهى السعادة.

فماذا يعني ذلك؟ 

إنه يعني أن توقعاتنا تُؤَثِّرُ تأثيرا حاسما على حالتنا النفسية سلبا أو إيجابا، فإما أن تكون نتيجتها السرور والغبطة فتدفعنا إلى مزيد من العمل، ومزيد من الحيوية والنشاط، أو تكون نتيجتها الشعور بالمرارة واليأس والإحباط، فيدفعنا ذلك إلى الإقلال من العمل، بل قد يقودنا إلى تبني خيارات شديدة السلبية.

يحدث ذلك مثلا عندما يتعارف الرجل والمرأة بِنِيَّةِ الزواج، فأثناء فترة التعارف يحرص كلٌّ منهما على إظهار نفسه وأخلاقه وحبه واهتمامه بالطرف الآخر في أحسن ما يكون أو يُفترَضُ أن يكون، فترى الرجل يهتم بها ويحرص على مشاعرها وعواطفها وقد يعدها بالكثير، فتتوقع هي الأخرى أن تكون حياتها على أجمل وأكمل ما ترغب وتحلم به، فإذا ما تزوجا فعلا، وشغلته هموم الحياة عنها، فَقَلَّ اهتمامه بها، وبخل في التعبير عن مشاعره تجاهها، انقلبت حياتهما رأساً على عَقِبٍ، وتوترت علاقتهما، وقد يصلُ الحال بهما إلى الطلاق، وهكذا الحال بالنسبة إلى الرجل، فلو كان يتوقع أن تكون التي يروم الزواج منها امرأة صالحة طيبة مؤمنة ملتزمة شديدة الاهتمام ببيتها ونظافته، وشديدة الاهتمام بعائلتها وأولادها، فظهر له بعد الزواج أنها لم تكن كما توقع فستحدث المشاكل وتتعاظم النزاعات وقد يؤول أمرهما إلى الطلاق.

هل ذلك يعني ألا نتوقع شيئا؟

الجواب الأكيد: لا، فإن التَّوَقُّع يلعب دورا مهما في حياتنا، إذ يعتبر من أهم المحركات التي تحركنا نحو ما نتخذه من مواقف وما نقوم به من أفعال، فلولا التوقع ما فعلنا شيئاً، لو أننا لا نتوقع النجاح لكنا لا نعمل، ولو أننا لا نتوقع جني الثمار لما زرعنا شجراً، فالتوقع مطلوب وهو أحد أهم مصاديق الأمل، الذي قال عنه رسول الله (ص): "ألأَمَلُ رَحْمَةٌ لأُمَّتي، وَلَوْلا الأَمَلُ مَا أَرْضَعَتْ والِدَةٌ وَلَدَها، وَلا غَرَسَ غارِسٌ شَجَراً". وقال الشاعر الطغرائي: "... ما أَضْيَقَ العَيْشَ لَوْلا فُسْحَة الأَمَل".

فلا بد من التوقع، ولكن لا بد أيضا من الاعتدال في التوقع، والحياة كلها قائمة على الاعتدال، الكون معتدل في نظامه وحركته، والأرض معتدلة في نظامها، والطبيعة معتدلة كذلك، والإنسان يجب أن يكون معتدلا في جميع شؤونه، فلا يعدم توقعاته ولا يُفْرِط فيها، بل يتعامل معها باعتدال، يُقَدِّرُ فيه الأسباب، وما يترتب عليها من نتائج، ويلتمس الأعذار لمن حوله، ويُسَلِّم بأن " كُلُّ بَني آدَمَ خَطّاءٌ وَخَيْرُ الخَطّائينَ التَّوَّابونَ". 

توصيات:

1- عِش حياتك متوازنا، من غير تفريط ولا إفراط

2- احذر الآمال الكاذبة، فإنك لا تدري ما يكون في غدك.

3- هيء أسباب ما ترجوه وتقبل الواقع كيفما يكون فما يغيب عنك أكثر منا قد تعرفه.

 السيد بلال وهبي

فجر يوم السبت الواقع في: 14/8/2021 الساعة (04:10)