هدف اليوم : أن أكون رَفيقاً
بقلم السيد بلال وهبي
ما أحوجنا إلى هذا الهدف في زماننا هذا وما سيليه، حيث تتعقد العلاقات البشرية، وينزع الناس نحو مزيد من الفردانية والأنانية، وتزداد القسوة في قلوبهم حتى تكاد أن تكون أكثر قسوة من الحجارة، بسبب تعلقهم بالمال والجاه والدنيا ومتاعها، لذلك يصير من الواجب أن يجعل كل واحد منا الاتصاف بالرِّفْقِ هدفا يسعى إلى تحقيقه.
[ معنى الرفق ]
الرِّفقُ: لين الجانب بالقول والفعل، والأخذ بالأسهل، وهو ضد العنف، وهو صفة كمال في الانسان، ومن أهم أسباب نجاحه في علاقاته الاجتماعية بل في مجمل حياته، فقد رُوِيَ عن رسول الله (ص) أنه قال: "الرِّفْقُ نِصْفُ المَعِيشَةِ".
وعنه أيضا: إنَّ الرِّفْقَ لَمْ يُوضَعْ عَلى شَيءٍ إِلا زَانَهُ، وَلا نُزِعَ مِنْ شَيءٍ إِلا شَانَهُ" فكل علاقة تقوم على الرفق واللين تُؤتي أُكُلاً طَيِّباً وتثمر حياة وادعة، وقال رسول الله (ص): "إِذا أَرادَ اللهُ بِأَهْلِ بَيْتٍ خَيراً أَدخَلَ عَلَيهِم بابَ رِفْقٍ".
ولا يكون الرِّفقُ إلا من شخص كريم الطبع، عاقل، تامّ الأخلاق، ذو حظٍ عظيمٍ من خير الدنيا والآخرة، متخلق بأخلاق الله سبحانه، "فإنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ رَفِيْقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطي عَلَى الرِّفْقِ ما لا يُعْطي عَلَى العُنْفِ" كما قال الامام محمد الباقر (ع).
[ أهميّة الرفق وعلاقته بالإيمان ]
والرفق من كمال الإيمان، بل لا إيمان من دون رفق، فعن الإمام محمد الباقر (ع): "مَنْ قُسِمَ لَهُ الرِّفْقُ قُسِمَ لَهُ الإِيْمَانُ". وقال الإمام أمير المؤمنين عَلِيّ (ع): "لِكُلِّ دينٍ خُلْقٌ، وَخُلْقُ الإِيْمانِ الرِّفْقُ".
وللرفق ثمرات جسيمة، فإن فيه الخير كله، به الزيادة والبركة، وبه تُفتَحُ مغاليق الأمور، وتتيسر الصعاب، وبه تَسْهُل الشدائد، وبه تُنالُ الكرامة، وبه ينال الشخص الحظوة والمكانة الرفيعة في الناس، وهو مفتاح الصواب، وشيمة ذوي الألباب، ولقاح الصلاح، وعنوان النجاح. كما ورد في الروايات الشريفة.
[ مواضع الرفق وموارده ]
لا يقتصر الرفق على مجال مُحَدَّدٍ، بل يعم كل علاقة بين الشخص وغيره، قال رسول الله (ص): "إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ في الأَمْرِ كُلِّهِ". فيجب على الشخص أن يكون رفيقا على كل حال ومع كل من يتعامل معه، وأول من يجب أن يَرْفَقَ به نفسه، فلا يُحَمِّلها فوق طاقتها، ولا يُكرهها على شيء لا تطاوع عليه، بل يرفق بها، ويأخذ بترويضها شيئا فشيئا حتى تعتاد عليه، فإِنَّ قَهْرَها عليه دفعة واحدة يفضي إلى نتائج عكسية، ولهذا رُوِيَ عن الإمام أمير المؤمنين (ع): "خادِعْ نَفْسَكَ في العِبادَةِ، وَارَفَقْ بِها، وَلا تَقْهَرْها، وَخُذْ عَفْوَها وَنَشاطَها، إِلا ما كانَ مَكْتُوباً عَلَيكَ مِنَ الفَريضَةِ، فَإِنَّهُ لا بُدَّ مِنْ قَضائِها وَتَعاهُدِها عِنْدَ مَحَلِّها".
وثاني من يجب أن يرفق به أهله وعياله ووالديه فإنهم كنفسه وهم ذووا مشاعر مرهفة، ويرجون منه ما لا يرجون من غيره، فعليه أن يلين لهم ويتلطف معهم، ويبادلهم مشاعر الود والمحبة، ولا يُحَمِّلهم ما لا يطيقون، ولا يُعَنِّفهم بقول أو فعل، فإن العنف يوغِر في قلوبهم، ويقطع حبالة المودة بينه وبينهم.
وثالث من يجب أن يرفق بهم الناس، خصوصا إذا كان صاحب مكانة فيهم وله عندهم منزلة، أو كان في موقع قيادي فيجب أن يكون مع الناس كما كان رسول الله (ص) مع أصحابه حيث وصف الله حالهم معهم بقوله: "فَبِمَا رَحۡمَةࣲ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِیظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّوا۟ مِنۡ حَوۡلِكَۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ وَشَاوِرۡهُمۡ فِی ٱلۡأَمۡرِۖ..." (159 آل عمران).
ورابع من يجب أن يرفق بهم البهائم والحيوانات فإن كان يملك دابة او حصانا أو بقرا أو معزا أو في بيته قطة أو ما شاكل، فيجب عليه أن يرفق بهم فيطعمهم ويسقيهم ويداويهم ولا يُحملهم فوق طاقتهم ولا يضربهم وإن احتاج إلى ذلك فلا يكون ضربا مبرحا، ولا يضربهم على وجوههم. قال رسول الله (ص): "إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيُعِينُ عَلَيهِ، فَإِذا رَكِبْتُم الدَّوابَّ العُجْفَ(الهزيلة) فَانْزِلوها مَنازِلَها، فَإِنْ كانَت الأَرْضُ مُجْدِبَةً فَانْجوا عَنْها، وَإِنْ كانَت مُخْصِبَةً فَانْزِلوها مَنازِلَها".
وخامس من يجب أن يرفق به الطبيعة ذاتها، أشجارها ونباتها، ويكون ذلك بالمحافظة عليها، وسقيها، والاهتمام بها، وترك قطع أشجارها الا لحاجة ماسَّة، فقد رُوِيَ عن رسول الله (ص) أنه قال: "مَنْ نَصَبَ شَجَرَةً وَصَبَرَ عَلى حِفْظِها وَالقِيَامِ عَلَيْها حَتَّى تُثْمِر كان لَهُ في كُلِّ شَيْءٍ يُصابُ مِنْ ثَمَرِها صَدَقَة عِنْدَ اللهِ"
توصيات حول التعامل برفق
1- كُنْ هَيِّناً لَيِّناً، عَطوفاً رَؤوفاً، سَمْحاً ذا وجه بشوس.
2- عامل الناسَ كما تُحِبُّ أن يعاملوك.
3- أرفَقْ يُرفَقُ بك.
4- ارفَقْ بالضُّعفاء والمساكين وذوي الحاجة.
5- ارفَق بأهلك ورَبِّ أبناءك على فضيلة الرِّفق.
السيد بلال وهبي
فجر يوم الاثنين الواقع في: 26/7/2021 الساعة (04:30)