القائمة الرئيسية

الصفحات

القومية في نظر الإسلام

 

القومية في نظر الإسلام

بقلم الشيخ عبد الغني العرفات

بسم الله الرحمن الرحيم

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } الحجرات13 .

موقفنا من القوميات

كيف ينظر الإسلام إلى الشعوب والأمم؟

هل يؤيد الإسلام القوميات؟

ما هي القومية ؟

كيف تتشكل القومية؟

هل القديم في تاريخ الشعوب هو الأصيل؟ أم ما تصنعه في حاضرها ومستقبلها؟

أسئلة لا بد من الإجابة عليها قبل أن نتعرف رأي الإسلام في القومية.

[ ما هي القومية؟ وهل هي ثابتة لا تتغير؟ ]

القومية هي : عبارة عن المجتمع الذي تربطه مجموعة أعراف وتقاليد وعادات وأنظمة ومنها: اللغة.

وقد تلعب الظروف البيئية والمناخية والاقتصادية والدينية في تشكيل قومية من القوميات.

والقوميات لا تثبت على حال فقد يتحول مجموعة من البشر في بقعة من البقاع إلى لغة أو دين أو عادة فتتحول المسميات إلى أخرى فتحدث قوميات جديدة.

فهل كان أجداد العرب في العصور البعيدة يتكلمون بهذه اللغة المعاصرة، وهل كانت لهم نفس العادات والتقاليد ؟ كلا 

يذكر بعض المؤرخين أن الألمان - الذين دخلوا في حروب دموية عرقية مع غيرهم بسبب العرق الألماني - هم سلالة من شعب كرمان الإيرانية .

كما أن شعوب العراق القديمة من آشوريين وكلدان وسومريين وغيرهم هم من سلالة شعب الجزيرة العربية المعروفين بالفينيقيين مع أن اللغة قد تغيرت والعادات قد تبدلت والديانات قد تحولت. فالقوميات أمور طارئة وثانوية والأصيل في الإنسان أي ما له التأثير هو فطرته السليمة وهي المقياس في تقييم الإنسان حيث أن الفطرة ثابتة .

والتعارف في الآية أي التمايز، أي تتمايز القبائل والأفراد لكي يسهل التعامل، فلو لم يكن البشر متمايزين وكانوا كعلب متشابهة لما سهل التعامل فيما بينهم .وأما من يفهم أن هذا التمايز بالقومية له قيمة فقد رد عليه القرآن بقوله  (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)

الإنسان نوع واحد وليس أنواع

جوهر الإنسان ليس في بشرته وليس في لغته، وليس منطقته، ولا في كيفية أكله وشربه، جوهر الإنسان في فطرته وعقله، فالإنسان نوع ( وقال المناطقة والفلاسفة صرف الحقيقة لا يتثنى ولا يتكرر) أي أن نوعية الإنسان واحدة وحقيقته واحدة ، ومعنى هذا أن ما يصلحه دين واحد وليس أديان، وإذا كان كذلك فالقومية التي تريد أن تكون دينًا يتبع تعارض الدين .

حساب الأمة غير حساب الأفراد

الأمة في القرآن الكريم هي بديل القومية، وكثيرة هي الآيات التي تحدثت عن حساب للأمة تحاسب به كأمة وليس كأفراد ومن هذه الآيات: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }الجاثية28 }لِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }الأنعام108

يا ترى أي أمة هذه التي تحاسب حسابًا على أعمالها هل هي الأمة العربية أو الأمازيغية أو البربرية؟؟ أليست الأمة التي طلب منها العمل بالإسلام، أليست هي الأمة الإسلامية ، فلماذا السير وراء إغواءات الشرق والغرب وتنفيذ مخططاتهم!! ألم يبدأ الوهن في القضية الفلسطينية إلا حين أعتبرت قضية عربية فأبعدت عن هموم المسلمين، ثم تسرب الوهن أكثر عندما أعتبرت قضية خاصة بالفلسطينيين ثم بفصيل من الفصائل يتحكم في مصير القضية، ولكن عندما أعاد لها الإمام الراحل الخميني (قده)البعد الإسلامي نشطت القضية وعاش الجميع روح الأمل في استعادتها.

موقف علمائنا تجاه قضايا الأمة

يتجاوب علماؤنا مع قضايا الأمة بعيدًا عن المذهبية والحدود المصطنعة، فلا تمنعهم القوميات ولا غيرها من قول كلمة الحق .وإليك نموذجًا يدل بوضوح على ما نقول:

الشيخ حسن علي بن بدر القطيفي (1278-1334هـ) له رسالة اسمها (دعوة الموحدين إلى حماية الدين)  فرغ من كتابتها عام 1329هـ قال في مقدمتها : 

" مسألة في قيام الأدلة والبراهين على وجوب الجهاد في هذه الأيام على كافة المسلمين للدفاع عن بيضة الإسلام والمحاماة عن حوزة المؤمنين...ثم قال: اللهم إنا نشكو إليك ما أصبحنا فيه من تفرق الكلمة وتشتت الآراء ، وشدة الفتن واختلاف الأهواء، وحب العافية والركون إلى الدنيا، حتى طمع فينا عباد المسيح الذين جعلوك ثالث ثلاثة، وجعلوا يشنون الغارات على أوطاننا ويوقعون الوقائع بإخواننا، حتى استولوا على الهند وغيرها والسند والأندلس  وتونس، واستعمروا مصر القاهرة وأنشبوا مخالبهم بالبحرين وعمان من أغلب سواحل جزيرة العرب، وشوشوا إيران وأخذوا قفقازية انتزعوا منا هذه الأقطار العظيمة وغيرها مما يعجز عنها الحاسب ويكل عن تعدادها قلم الكاتب، ولم يزالوا يجدون ونتثاقل، ويرصدون لنا ونتغافل، حتى بسطوا أكف عدوانهم إلى طرابلس  الغرب، وأصبحت سحب مدافعهم تمطر عليها الرصاص حتى ثلموا سورها وخربوا دورها وقتلوا النساء والرجال والأطفال ... كأنهم قد أمنوا ثورة الأمة المحمدية ولم يرهبوا رجال الدولة الإسلامية، ألم يعلموا أن المسلمين عضو واحد إذا أصيب آخره تألم أوله "

نعم بهذه الكلمات يظهر علماؤنا تعاطفهم مع قضايا الأمة، لأن الشعور لا يتجزأ فلا يمكنني أن أتألم هنا ولا أتألم هناك، والفواصل الموهومة بين الشعوب لا تقسم الشعور كما قسمت الأرض.