هدف اليوم : أن أكون حُرّاً
بقلم السيد بلال وهبي
[ الحريّة أمر فطري ضروري ]
الحرية يا أخي من أعلى رغبات الإنسان الفطرية، ومن أسمى أحواله، فقد خلقه الله حرا، وأودع فيه الرغبة فيها، فإن وجدتَ شخصا يرتضي العبودية فذلك جنوح منه خارج الفطرة الإنسانية السليمة، يقول الإمام أمير المؤمنين (ع): "أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ آدَمَ لَمْ يَلِدْ عَبْداً وَلا أَمَةً، وَإِنَّ النَّاسَ كُلُّهُمْ أَحْرَارٌ". ويقول: "لا تَكُنْ عَبْدَ غَيْرِكَ وَقَدْ جَعَلَكَ اللهُ حُرّاً"
فالحرية ليست حقا يُعطى، إنما هي ضرورة إنسانية لا سبيل الى حياة الإنسان المثلى إلا بها، ومن ثَمَّ فإن الحفاظ عليها والدفاع عنها ليس مجرد حق، بل واجب على الإنسان كوجوب حفظ حياته والدفاع عنها.
[ مفهوم الحرية في الإسلام ]
ويختلف مفهوم الحرية في الإسلام عن المفهوم الذي يُرَوَّجُ لها في الغرب، لأنها ترتبط من وجهة نظر الإسلام بمبدأ وجود الإنسان وغاية وجوده.
أما مبدأ وجوده، فإنه مخلوق لله تعالى ومحتاج إليه آناً بعد آنٍ، لأنه قائِمٌ بالله يستمد وجوده وطاقته وحياته من الله، والله قَيّومٌ عليه، يعطيه ويفيض عليه، ويمده بجميع ما يحتاج إليه، قال تعالى: " أَفَمَنۡ هُوَ قَاۤئِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفۡسِۭ بِمَا كَسَبَتۡۗ " (33 الرعد).
وأما الغاية من وجوده فهي الرجوع إلى الله أيضا قال تعالى: " إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلرُّجۡعَىٰۤ " (8 العلق)،وبناءً عليه فلا يملك الإنسان حرية أمام الله، صحيح أن الله خلقه مختارا، لكن عقله يلزمه بطاعة الله سبحانه، لأنه يدرك حاجته إليه، وحاجته إلى هدايته، وحاجته إلى ما يَسُنُّ له من قوانين تبلغ به غاية وجوده، ويدرك أن جميع تلكم القوانين تقوم على مبدأ جلب المصلحة إليه ودفع المفسدة عنه، فيطيعه رغبة وشوقا لا كارها ولا مستثقلا، بل يدرك أنه كلما ازداد طاعة لربه والتزاما بشريعته وخضوعا لإرادته ورضىً بقدَرِه، تسامى وارتقى وعرج إلى سدرة المنتهى حتى يلقاه ويشاهد آيات جماله وجلاله.
وحين يصل إلى تلك المرتبة يدرك أن عليه أن يكون حُرّاً أمام غير الله سبحانه، سواء كان غير الله أشخاصا أم أحوالا أم لذات وشهوات وأهواء، فإن الخضوع لها يؤدي به إلى التَّمَرُّد على الله والتمرد عليه يعني التسافل بدل التسامي، والهوي والسقوط بدل العروج والارتقاء.
لذلك فإن الحرية الحقيقية هي التحرر من القيود التي تقيده بها الأهواء والشهوات والغرائز، ومواجهة الضغوط التي يمارسها الطغاة والشياطين، ومن ذلك التحرر من الأفكار الخاطئة والمعتقدات الباطلة، والعادات والتقاليد البالية والمُبتَدَعَة، والمعاصي والذنوب والفواحش والموبقات، والتحرر من قبضة الطغاة والظالمين المستكبرين، وهذا ما يرشد إليه الله سبحانه وهو يتحدث عن رائد الحرية رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث يقول: " ٱلَّذِینَ یَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِیَّ ٱلۡأُمِّیَّ ٱلَّذِی یَجِدُونَهُۥ مَكۡتُوبًا عِندَهُمۡ فِی ٱلتَّوۡرَاةِ وَٱلۡإِنجِیلِ یَأۡمُرُهُم بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَیَنۡهَاهُمۡ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَیُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّیِّبَـٰتِ وَیُحَرِّمُ عَلَیۡهِمُ ٱلۡخَبَـٰۤئِثَ وَیَضَعُ عَنۡهُمۡ إِصۡرَهُمۡ وَٱلۡأَغۡلَـٰلَ ٱلَّتِی كَانَتۡ عَلَیۡهِمۡۚ فَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ بِهِۦ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُوا۟ ٱلنُّورَ ٱلَّذِیۤ أُنزِلَ مَعَهُۥۤ أُو۟لَـٰۤئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ "(157 الأعراف) إن الآية الكريمة تدل على أن مهمة الأنبياء سِيَّما رسول الله محمد (ص) هي مهمة تحريرية، وأن الهدف الذي سعى إلى تحقيقه هو تحرير الناس من أغلال الشهوات والطغيان، ومن المفيد في هذا المجال أن نستشهد بالروايات التالية:
رُوِيَ عن الإمام أمير المؤمنين علِيٍّ (ع): "مَنْ تَرَكَ الشَّهَواتِ كانَ حُرّاً". وقال: " العَبْدُ حُرٌّ مَا قَنَعَ، الحُرُّ عَبْدٌ مَا طَمِعَ" وقال: "جَمَالُ الحُرِّ تَجَنُّبُ العَارِ".
يقابل التحرر مما سبق ذكره الانقياد التام والطاعة المطلقة والعبودية الخالصة لله سبحانه.
توصيات : كيف تكون حراً ؟
1- اجتنب الشهوات والملهيات ولا تتبع هواك تكن حرا.
2- عدوك قد يعجز عن قتالك في ميدان الحرب فيهجم عليك بإستثارة شهواتك وغرائزك.
3- إذا كان للحرية من ثمن فكن مستعدا أن تدفع.
السيد بلال وهبي
فجر يوم السبت الواقع في: 9/7/2021 الساعة (04:30)