هدف اليوم: أَن لا أَحتَقِرَ ذاتي
السيد بلال وهبي
إن من الأمور التي ابتلي بها الكثير من الشباب في زماننا هذا احتقارهم لذواتهم وعدم ثقتهم بأنفسهم، بل كرههم لها وخجلهم بها، إنهم لا يتقبلون ذواتهم ويعتقدون أنَّهم أَقَلُّ الناس وأَعجَزُ الناس وأكثرهم فشلا، ويقللون من قدراتهم وإمكانياتهم إلى الحد الذي يصيبهم بإحباطٍ شديد، وعجزٍ مستحكم، فتراهم مستسلمين يائسين، يقعدون في بيوتهم أو نواديهم ينتظرون ما تأتيهم به الأيام في خنوع وخضوع، ويعتقدون أن الآخرين أفضل حالا منهم لأنهم يملكون ما مُنِعَ عنهم، أرى ذلك في الكثير من الشباب الذين يراجعونني لمساعدتهم على تخطي الظروف الصعبة التي يمرون بها، ويطلبون مني النصح فيما يخرجهم مما وقعوا والأصح: أوقعوا أنفسهم فيه.
إنَّ احتقار الذات وعدم الثقة بالنفس من أسوأ ما يمكن أن يصاب به الشخص، وهو من أقسى الابتلاءات وأعنفها، لأنه يُدَمِّرُه، إذ يُعميه عن رؤية ما حباه الله من إمكانيات وقدرات وهي كثيرة وجليلة، وموجودة فيه كما في غيره وإن تَنَوَّعت وتفاضلت، ولو أن الشخص قدَّرَ ذاته كما يجب واكتشف عن قدراتها وقابلياتها وآمن بها واستثمرها لتغيَّرت حياته جذرياً، ولساهم بقوة في تقدير قَدَرِه.
إن احتقار الذات ينشأ من مجموعة من الأسباب قد تجتمع كلها أو بعضها في الشخص، فتحيله جثة تأكل وتشرب وتتنفس ولا شيء أكثر من ذلك، فمن الأسباب:
أهم أسباب ظاهرة احتقار الذات
الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي يمر بها الإنسان، والتنشئة العائلية غير السوية، واحتقار الوالدين له وهو في طور الطفولة والصِّبا وحتى طور الشباب، ووصمه بأنه لا يفهم شيئا، وليس جديراً بِتَحَمُّل شيء، ولا يستحق أن يُوَلَّى على شيء، مما يجعله يشعر في نفسه بالهوان والاستحقار، وقد يكون السبب وِراثِياً عند الشخص يرثه من أبويه، ومن الأسباب الفشل في إنجاز بعض الأعمال، والفشل في بعض التجارب والإخفاق في تحقيق الأهداف، ومنها الصَّدَمات التي يتلقاها في حياته، ومقارنة ذاته مع غيره، والنقد اللاذع الذي يتلقاه من الآخرين، وتركيزه الدائم على ردود الأفعال السلبية تجاهه، والفشل في بناء علاقات اجتماعية مستقرة، كل ذلك يؤدي بالشخص إلى الاعتقاد بأن الآخرين يكرهونه وينبذونه، فيُوَلِّدُ فيه انطباعا بأنه أقلّ شأناً منهم، بل قد يرى نفسه عاراً بينهم، فيلجأ إلى الانعزال التام، ويصاحب ذلك ألم نفسي مستمر، فيكره نفسه ويكرههم.
إنَّ احتقار النفس خطأ فادح وهو مرفوض قطعا من وجهة نظر الدين، فإن الله تعالى كرَّم جميع الناس، واصطفاهم لمقام الخلافة عنه في الأرض، ووهبهم قدرات خلاقة وطاقات بديعة وقابليات جبارة، ولكنه نوَّعها وقَسَمَها بينهم ليخدم بعضهم بعضاً، وحثَّهم على تفعيل طاقاتهم والاستفادة من مواهبهم وتطويرها وتنميتها، وتكفل لهم ببلوغ الغايات التي يريدون بلوغها وتحقيق الأهداف التي يريدون تحقيقها، إن كانوا أصحاب هِمَمٍ عالية وأهداف سامية، وهيأوا الأسباب وباشروا العمل.
*كذلك* يدعو الدين إلى إجلال الذات وتعظيمها وإكرامها، وينهى عن تحقيرها والإساءة إليها، ويُبين أن نجاح الفرد في الحياة ناتج عن إيمانه بشرافة نفسه وحرصه على ذلك، فقد رُوِيَ عن الإمام أمير المؤمنين (ع) أنه قال: "إِنَّ النَّفْسَ لَجَوْهَرَةٌ ثَمِيْنَةٌ، مَنْ صانَها رَفَعَها، وَمَنْ ابْتَذَلَها وَضَعَها". وعنه (ع) أنه قال: "النَّفْسُ الكَريْمَةُ لا تُؤَثِّرُ فيها النَّكَباتُ". وعنه (ع) أنه قال: "على قَدْرِ شَرَفِ النَّفْسِ تَكونُ المُرُؤَةُ". وعنه (ع) أنه قال: "كَفى بِالمَرْءِ جَهْلاً أَنْ يَجْهَلَ نَفْسَهُ". وعنه (ع): "لا تَجْهَلْ نَفْسَكَ، فَإِنَّ الجَاهِلَ مَعْرِفَةَ نَفْسِهِ جاهِلٌ بِكُلِّ شَيْءٍ".
فعلينا يا أخي ألا نُقَلِّلَ من شأن أنفسنا وألا نحتقرها، بل يجب أن نقدرها لأن الله يأمرنا بذلك، وأن يعرف كل واحد منا ما حباه الله من هبات وإمكانيات، ويعتقد جازما أن تلك المواهب إنما هي فضل منه تعالى لتمكين الإنسان من القيام بدور الخلافة عنه في الأرض.
توصيات:
1- اعرف قيمتك، وقدِّر ذاتك، وخُذْ موقعك الحقيقي في الحياة
2- اعمل ثم اعمل وأحسن العمل، فإن قيمتك تتأتى من قيمة عملك.
3- افتح عليك نوافذ الأمل، فلولا الأمل لضاقت عليك الحياة بما رَحُبَت.
4- انْقُدْ نفسك، وليكن نَقْدُكَ إيجابياً يُطَوّرها لا سلبياً يمحقها.
5- لا تقارن نفسك بالآخرين.
السيد بلال وهبي
فجر يوم الجمعة الواقع في: 5/11/2021 الساعة (04:18)