القائمة الرئيسية

الصفحات

الدولة العلمانية في نصوص ( علي حرب) قراءة نقدية | الشيخ عبد الغني العرفات

 

الدولة العلمانية في نصوص ( علي حرب) قراءة نقدية | الشيخ عبد الغني العرفات

لجأنا إلى نصوص الكاتب علي حرب لأنه يتبنى العلمانية ويرى أنّه الأعرف بها والأشدّ إخلاصًا لها .وفي كتابه ( ملّاك الله والأوطان) يرى الكاتب تناقضًا شديدًا بين الدولة العلمانية والدين .

تعريف العلمانية

يقول في تعريف العلمانية: " لا مهرب من تعريف العلمانية، كمنطلق للقول والتحليل، فهو تعريف أولي، بمعنى أنه يخضع للتعديل والتغيير، على سبيل الفهم والتركيب أو التخطي والتجاوز" ص ١٦٤.

ثم قال " يمكن الإشارة في هذا الخصوص إلى العناصر الآتية في تعريف العلمانية :

" ١-  رؤية دهرية : قوامها أن الإنسان يحمل المسؤولية عن نفسه، بمعزل عن أي وصاية خارجية إلهية أو ربانية . ففي المنظور العلماني، وحده الإنسان هو الذي يدير شؤونه ويشرع لاجتماعه باستخدام عقله واستثمار طاقته على الخلق والابتكار أو على التعقل والتدبير.

٢- شكل ديمقراطي للحكم : حيث الأفراد هم مواطنون متساوون في الحقوق والحريات والواجبات، من غير تمييز على أساس الأصل أو العرق أو الدين أو الطائفة أو الجنس أو اللغة..

٣- ليبرالية فكرية : فالأصل في العلمانية هو الاستقلالية والحرية، في التفكير والاعتقاد والاختيار، بما في ذلك حرية الارتداد على المعتقد أو الخروج على الجماعة والإجماع" ص ١٠٦.

فالدولة العلمانية لا بد أن تحمل الصبغة الفكرية الليبرالية في نظره.

ولكن ما هي الليبرالية الفكرية ؟

يوضح الكاتب الليبرالية الفكرية ويفرق بين الليبرالية في معناها الاقتصادي بوصفها حرية السوق والتبادل .. والليبرالية الفكرية بقوله : " ولكن الليبرالية تفهم هنا بمعناها الفلسفي، بوصفها تقول بالبعد المتعدد للإنسان على الصعيد الوجودي.

يعني أولا :تغليب لغة الكثرة والاختلاف والصراع على لغة التوحيد والاندماج أو الانصهار . فالمجتمع ليس كتلة متجانسة أو متراصة، وإنما هو مفتوح على إمكاناته الغنية واحتمالاته المتعددة ورهاناته المتضاربة ، بقدر ما هو شبكة تأثيراته المتبادلة وسيرورة علاقاته المتحولة باستمرار . 

كما يعني ثانيا : كسر المنطق الأصولي والاصطفائي أو الآحادي والمركزي لصالح تعدد القوى والفاعليات وتعدد المجالات والاختصاصات . من هنا تتعدد في المقترب الليبرالي التصورات والنماذج كما تتعدد الخيارات والرهانات والحلول" ص ١٦٩.

والليبرالي " ليس هو الذي يرى المجتمع بتعدد مكوناته وتياراته وقواه وحسب بل هو الذي يرى إلى هويته بوصفها منسوجة من التعدد والتوتر والتعارض بحيث يملك وعيًا مضادًا يرتد به على أفكاره، لكي يفكر بطريقة مختلفة، فيما يحدث ويستجد أو يتشكل ويتحول، كي لا يستعمره اسم أو أصل أو نموذج".

إذن الدولة العلمانية لا بد أن تكون ليبرالية والليبرالي هو الذي لا يمكن أن يستعمره اسم ، أو قاعدة ، أو نظام ، وإلا لم يكن ليبراليًا حقيقيا بل ليبراليا محابيا ومجاملاً على حساب ليبراليته !! 

هكذا هو شكل العلمانية والليبرالية، والدولة القائمة على العلمانية والليبرالية الحقيقية. فهل يا ترى يمكن الركون إلى علماني وليبرالي حقيقي في شراكة مجتمعية !! هل يمكن بناء دولة بمشاركة ليبرالي وعلماني حقيقي !!

يعترف الكاتب علي حرب بحقيقتين :

الأولى :" لا شك أن العلمانية تتعارض مع الإسلام بقدر ما تتعارض مع الرؤية الدينية عامة، لكن هذا لم يمنع البعض من الحداثيين عن الكلام على علمانية عرفتها الحضارة الاسلامية سبقت العلمانية الغربية " . ص ١٦٥.

الثانية : "أن العلمانية تغيّرت وتطوّرت من حيث مفهومها .. وانفتاحها على القوى الدينية والاعتراف بمشروعيتها . 

ومثل هذا التطور نشهده لدى الفيلسوف هابر ماس (١)الذي يعد حارس العقلانية ". ص ١٦٦.

ثم يلخص كلامه " هكذا تغيرت العلاقة مع العلمانية. فما كان في البداية على تعارض مع الدين، أصبح استحقاقا لا مهرب منه، كما يطالب بذلك بعض رجال الدين، وإن تحت راية (الدولة المدنية والديمقراطية ). وتلك هي المفارقة فأصحاب المشاريع الدينية باتوا يقبلون بما كانوا يرفضونه بقدر ما تحولت هويتهم الدينية إلى مشكلة لهم بالذات " ص ١٦٧.

والدولة المدنية التي عناها هنا مفهوم غائم أيضًا لا تجد له معنى واضحا في القواميس وكتب المصطلحات وهو بحسب الاستعمال الرائج لا يختلف عن الدولة العلمانية.

نقد العلمانية على ضوء نصوص علي حرب

١- الليبرالية كذلك مفهوم غير واضح وهو مفهوم يحتكر الحرية وكأنه الوحيد الذي نادى بها وهو مفهوم زئبقي ينفلت من التحديد والتعريف . كما أن الحديث عن الليبرالية كنمط يدير الشأن السياسي والاقتصادي يمكن القول عنها أنها (ليبراليات )متعددة وليست واحدة (٢). وهي نظرية تصل أحيانًا إلى درجة التناقض بين منظريها . فالفكر الليبرالي عند جون لوك يتمايز عن ليبرالية ماديسون وفريدريك هايك وتوكوفيل (٣).

فالكاتب علي حرب يطالبنا بأن نتلبس بالليبرالية ولكن أية ليبرالية يريد ؟

٢- ومع كل ما سبق يمكن تعريف الليبرالية بأنها فلسفة / أو فلسفات اقتصادية وسياسية تقوم على أولوية الفرد بوصفه كائنًا حرًا . فالحرية أمر مركزي ومحوري في الليبرالية. فهي تعني حرية الاعتقاد والتفكير والتعبير ومن الناحية الاقتصادية حرية الملكية وحرية الفعل الاقتصادي وعلى المستوى السياسي حرية التجمع وتأسيس الأحزاب واختيار السلطة .

ويلاحظ هنا أن (الحرية) التي دخلت في كل مفاهيم الليبرالية غير واضحة وغير محددة أيضا !! فما المقصود بالحرية في كل ما مضى !! وهل توجد حرية مطلقة في كل العالم !!

٣- تعليقا على كلامه الأخير من أن العلاقة تغيرت مع العلماني وأن رجال الدين طالبوا بالدولة المدنية نقول : إن اجتهاد الفقيه في مدرسة أهل البيت عليهم السلام - على وجه الخصوص ولا أتحدث عن المدارس الأخرى - قد يقوده إلى شكل من أشكال وصيغ الدولة، وإذا ما عبّر باحث أو مبلغ أو خطيب على المنبر عن تلك الرؤية في الدولة، فهو لا يعبر عن نفسه كخطيب، أو كباحث، بل يعبّر عن وجهة نظر واجتهاد مجموعة من الفقهاء، وهذا ببركة الاجتهاد والمرونة التي تحظى بها مدرسة أهل البيت عليهم السلام.

على أن ثبوت الدولة الدينية في واقع الإسلام أمر لا محيص عنه وهو ثابت تاريخي، وقد أقر به محمد أركون (٤)وليس أمرًا اجتهاديًا و وجهة نظر مفكر أو خطيب إسلامي.

فلماذا يحق للعلماني والليبرالي - على تعدد معنى الليبرالية - ورواد الدولة المدنية الاجتهاد وتعديل رؤاهم، ولا يحق للفقيه العارف بالأنظمة والقوانين من إبداء وجهة نظره التي تعب على امتلاك أدواتها سنينًا متمادية في إعطاء شكل للدولة !! 

لماذا يحق (لهابر ماس) الاجتهاد والتطوير ولا يحق لفقيه أمضى عمره في الدرس والتحقيق أن يعبر عن اجتهاد المئات من أمثاله !!.

هل أصبحت الليبرالية دينًا لا يمكن التراجع عنه أو هي أيدلوجية كبقية الايديولوجيات تخطئ وتصيب!!

أو بشّر بها نبي على أنها (نهاية التاريخ)!

*عبد الغني العرفات

---------------------------------

(١) يورغن هابرماس فيلسوف وعالم اجتماع ألماني معاصر يعتبر من أهم علماء الاجتماع والسياسة في عالمنا المعاصر. ولد في دوسلدورف، ألمانيا وما زال يعيش بألمانيا.يعد من أهم منظري مدرسة فرانكفورت النقدية له ازيد من خمسين مؤلفا يثحدث عن مواضيع عديدة في الفلسفة وعلم الاجتماع وهو صاحب نظرية الفعل التواصلي. تاريخ ومكان الميلاد: 18 يونيو 1929 (العمر 92 سنة). من الويكبيديا.

(٢) نقد الليبرالية ، الطيب بو عزة ص ١٧. وهو من الكتب المفيدة جدًا في تناول الليبرالية نشأة و واقعا .

(٣) نقد الليبرالية ص ١٩.

(٤) أين هو الفكر الإسلامي المعاصر ، محمد أركون ص ١٧٥.