قراءة نقديّة في حديث " لو انّ ابن آدم سألَ وادياً من مالٍ فأعطيه لسألَ ثانياً فلو سأل ثانيا فأعطيه لسأل ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلّا التراب ويتوب الله على من تاب وإنّ ذلك الدين القيّم عند الله الحنيفية غير المشركة ولا اليهودية ولا النصرانية ومن يعمل خيرا فلن يُكفَره "
بقلم الشيخ محمد جواد البلاغي قدّس سره :
في الجزء الخامس من مسند احمد عن أُبيّ بن كعب قال إنَّ رسول الله (ص) قال إنّ الله أمرني ان اقرأ عليك القرآن قال فقرأ (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) فقرأ فيها «لو ان ابن آدم سأل واديا من مال فأعطيه لسأل ثانيا فلو سأل ثانيا فأعطيه لسأل ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب وان ذلك الدين القيم عند الله الحنيفية غير المشركة ولا اليهودية ولا النصرانية ومن يعمل خيرا فلن يكفره ».
وفي رواية الحاكم في المستدرك ورواية غيره أيضاً « إنَّ ذات الدين عند الله الحنيفية لا المشركة » وفي روايةٍ « غير المشركة » الى آخره .
وعن جامع الأصول لابن الأثير الجزري « إنّ الدين عند الله الحنيفية المسلمة لا اليهودية ولا النصرانية ولا المجوسية » .
وذكر في المسند ايضا بعد هذه الرواية عن أُبَيّ قال : قال لي رسول الله (ص) : " إنّ الله أمرني ان اقرأ عليك فقرأ عليَّ (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ رَسُولٌ مِنَ اللهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) إن الدين عند الله الحنيفية لا المشركة ولا اليهودية ولا النصرانية ومن يفعل خيرا فلن يكفره. قال شعبة ثم قرأ آيات بعدها ثم قرأ «لو أنّ لابن آدم واديين من مال لسأل واديا ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ». قال ثم ختمها بما بقي منها انتهى.
وهذه الروايات رواها ايضا ابو داود الطيالسي وسعيد بن منصور في سننه والحاكم في مستدركه كما في كنز العمال. وذكر في المسند ايضا عن أبي واقد الليثي قال كنا نأتي النبي (ص) إذا أُنزِل عليه فيحدثنا فقال لنا ذات يوم : " إنَّ الله عزوجل قال «إنّا أنزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ولو كان لابن آدم وادٍ لأحبّ أن يكون له ثانٍ ولو كان له واديان لأحبّ أن يكون لهما ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلّا التراب ثم يتوب الله على من تاب انتهى.
هب أنّ المعرفة والصدق لا يطالبان المحدثين «ولا نقول القصاص» ولا يسألانهم عن هذا الاضطراب الفاحش فيما يزعمون انّه من القرآن ولا يسألانهم عن التمييز بين بلاغة القرآن وعلو شأنه فيها وبين انحطاط هذه الفقرات. ولكن أليس للمعرفة أن تسألهم عن الغلط في قولهم «لا المشركة» فهل يوصف الدين بأنه مشركة. وفي قولهم «الحنيفية المسلمة» وهل يوصف الدين او الحنيفية بأنه مسلمة وقولهم «ان ذات الدين» وفي قولهم «إنا أنزلنا المال لإقام الصلاة» ما معنى إنزال المال. وما معنى كونه لإقام الصلاة .
هذا واستمع لما يأتي ففي الجزء السادس من مسند احمد مسندا عن مسروق قال قلت لعائشة هل كان رسول الله يقول شيئا إذا دخل البيت قالت : كان إذا دخل البيت تمثّل لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا ولا يملأ فمه الا التراب وما جعلنا المال إلا لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ويتوب الله على من تاب.
وفي الجزء السادس في اسناده عن جابر قال : قال رسول الله (ص) : " لو أنّ لابن آدم واديا من مال لتمنى واديين ولو ان له واديين لتمنى ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ". وباسناده ايضا قال سُئِل جابر هل قال رسول الله لو كان لابن آدم واد من نخل تمنّى مثله حتى يتمنى أودية ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب انتهى.
وهل تجد من الغريب او الممتنع في العادة ان يكون لابن آدم واد من مال أو من نخل. او ليس في بني آدم في كل زمان من ملك واديا من ذلك بل اودية. اذن فكيف يصح في الكلام المستقيم أن يقال لو كان لابن آدم. لو ان لابن آدم. او ليست لو للامتناع. يا للعجب من الرواة لهذه الروايات ألم يكونوا عربا أو لهم إلمام باللغة العربية. نعم يرتفع هذا الاعتراض بما رواه أحمد في مسند ابن عباس لو كان لابن آدم واديان من ذهب وكذا ما يأتي من رواية الترمذي عن انس.
وايضا إنّ تمني الوادي والواديين والثلاث ليس بذنبٍ يحتاج إلى التوبة إذن فما هو وجه المناسبة بتعقيب ذلك بجملة «ويتوب الله على من تاب» وإن شئت ان تستزيد ممّا في هذه الرواية من التدافع والاضطراب فاستمع إلى ما رواه الحاكم في المستدرك أنّ أبا موسى الأشعري قال كنّا نقرأ سورة نشبهها بالطول والشدة ببراءة فأُنسِيتُها غير اني حفظت منها لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب. وذكر في الدر المنثور انه أخرجه جماعة عن أبي موسى.
وأضف إلى ذلك في التدافع والتناقض ما أسنده في الإتقان عن أبي موسى ايضا قال نزلت سورة نحو براءة ثمّ رُفِعَتْ وحفظ منها ان الله سيؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم ولو ان لابن آدم واديين لتمنى إلى آخره.
وأسند الترمذي عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله (ص) : " لو كان لابن آدم واد من ذهب لأحبّ ان يكون له ثان ولا يملأ فاه إلا التراب ويتوب الله على من تاب ".
وها أنت ترى روايات عائشة وجابر وانس وابن عباس تجعل حديث الوادي والواديين من قول رسول الله وتمثله. فهي بسوقها تنفي كونه من القرآن الكريم. ومع ذلك فقد نسبت إلى كلام الرسول (ص) ما يأتي فيه بعض من الاعتراضات المتقدمة ممّا يجب ان ينزّه عنه ودع عنك الاضطراب الذي يدع الرواية مهزلة.
مصدر المقال : كتاب آلاء الرحمن في تفسير القرآن / ج1 – الشيخ محمد جواد البلاغي (قدّس سره)