القائمة الرئيسية

الصفحات

التعددية الدينية والتعايش السلمي / رسالة سماحة السيد جعفر الحكيم الى مؤتمر الحوار في أوروبا والعالم العربي

التعددية الدينية والتعايش السلمي سماحة السيد جعفر الحكيم
جاء في رسالة استاذ البحث الخارج في الحوزة العلمية في النجف الأشرف سماحة السيد جعفر الحكيم (حفظه الله) الى مؤتمر المانيا الدولي عام 2021 والمنعقد تحت عنوان (الدين وتنوع وتعدد الأفكار والمعتقدات) ما مضمونه :
بسم الله الرحمن الرحيم 
السادة القائمين على مؤتمر الحوار في أوروبا والعالم العربي المنظم من قبل الجمعية الأوروبية لتعارف الأديان السلام عليكم ..
موضوعة التعددية أعتبرها بديهة من بديهيات الفكر الشيعي للعوامل التالية ..


العامل الأوّل : ان الفكر الشيعي فَتَحَ باب الاجتهاد ومن ثم فإنّ التواصل الدائم والتأمل المستمر والنقاش والحوار هو جزء لا يتجزأ من فتح باب الاجتهاد ومن ثَم هو يفتح نافذة وأفُقَا للرأي الآخر والأطروحة الاخرى ما دامت اجتهادية وضمن المعايير الاجتهادية  .
العامل الثاني : ان الفكر الشيعي لم يمنح مؤسسته العلمية سلطة لتتمكن من قمع الفكر والطرح والرأي الآخر وهذا يمثل أيضا عنصرا من عناصر الطمأنينة من جانب ومدخلا لظاهرة التعددية في الاجتهاد سواء في الاديان او المذاهب أو في الآراء الفكرية داخل المذهب الواحد او الآراء الفقهية .
فأولاً فتح باب الاجتهاد وثانيا عدم منح السلطة لرجل الدين في فرض آراءه على الآخرين ، فبقي:
العامل الثالث : التصرف بواقعية وذلك باعتماد قوة الحجة والتي تتطلب قناعة المستمع فإن اقتنع يأخذ بمؤداها وإلا فهو غير مُلزَم بالأخذ بها ، فلم يُلجَأ في تسويق الفكرة الى السلطة وبالتالي اجبار الآخرين على قبولها، وإنّما كلّ ما في الوسع هو أن تعرض بضاعتك وتبقى الخطوة الثانية على المستمع وباختياره فإن تمكنتَ من إقناعه سيؤمن بما تقول وإلّا فيتبنى مقولةً أخرى ولا سلطة لرجل الدين في إجبار الآخر على قبول رأيه أو على قبول نظريته فهذا عامل من العوامل التي تسمح للفكر الشيعي أن يتقبل التعددية بل يراها علامة صحة وليست علامة سلبية .
فالفكر الشيعي في عامله الثالث فكر واقعي يفهم سلَفا أنّه لا يمكن جمع الناس على رأي واحد وفكر واحد وأطروحة واحدة ، وأيضا أخذ بعين الاعتبار سلفا وجود مساحات متعددة إذ لكل رأي مساحته ومن يتبناه ومن يستمع له، فهو سلفا لم يتحرك بطريقة حالمة أو بوهم إمكان جمع المجتمع البشري وحمله على اطروحته .
إذا أخذنا هذه العوامل مجتمعة بعضها مع بعض : فتح باب الاجتهاد، عدم السلطة في تمرير الرأي وإلزام الاخر به، والتصرف بواقعية، إذ جزء من أدبياتنا الدينية أنه لا يمكن للحالة الانسانية في ظل هذه الظروف أن تجتمع على كلمة واحدة ورأي واحد، وأتصوّر أنّه لا يخفى على حضراتكم أنّ الانسان الباحث والمفكر والمتأمّل والعالِم عندما يتحرك بهذه العقلية لن يتوَقَّع فضلا عن انه لن يحاول أن ينال الاجماع البشري او إجماع من يستمع لخطابه إذ منذ الوهلة الأولى هو على معرفة بوجود التنوع في الأذواق والأفهام والعقول وأنّ ما يتم طرحه مع دليله وخلفيته البرهانية سيحظى بقبول بعض الناس دون آخرين وهو أمر طبيعي .
فهذا اللون من التعدد نفترضه توأماً لفكرة الاجتهاد التي نتبناها ضمن العوامل التي أشرتُ لها، ونفترض أيضا أن الدعوة الى فتح باب الاجتهاد بهذا الأفق يدفع نحو المراجعة الدائمة ونحو التصحيح بل ونحو الإبداع أيضا ، إذ أننا نلاحظ في بعض المجتمعات هناك حالة من الانتكاسة الفكرية والذهنية ، حالة من التراجع وعندما نعود الى تحليلها نجد أنّ أحد اسبابها الجمود الفكري والذهني، بينما إننا في جميع الظروف التي عشناها ولا سيما الظروف السياسية التي لم تكن في صالح الاجتماع الشيعي بقي فتح باب الاجتهاد سمة من سمات هذا الاجتماع الذي لم يتنازل عن هذا الثابت الى جانب عامل عدم اقحام السلطة لفرض الآراء والى جانب عامل الواقعية الشديدة، ومن ثم فإن تمسكَنا الشديد بالنص إذ نبني على عصمة كل من الوحي والنبي والأئمة لم يمنع من فتح باب الاجتهاد ، وقد تمكّن الفكر الشيعي والاجتهاد الشيعي من تقديم اطروحات لافته للانتباه وغير متوقَّعة نتيجة هذا السياق .
ويبقى السؤال : هل يمكن تعميم هذا ليصبح ثقافة ؟
أقول أنا من طرفي كرجل دين أُعنَى بالاجتهاد الشيعي ضمن المعايير التي أشرتُ لها ، أنا ذاهب بهذا الاتجاه ولكني لستُ وحيدا في الساحة ، وبالتالي لا يمكنني التنبؤ بأن التعددية هل سوف تكون سلسة في الواقع العربي ؟ هل سوف تجد طريقها من دون عوائق ؟ لا يمكنني التنبؤ ، بل ثمة هواجس لديّ بأنها ستواجه عوائقاً نتيجة هذا الجمود الذي أشرتُ إليه ولكن تبقى البشرية هي صاحبة القرار لأنّها تشكّل الطرف الآخر لتقبُّل هذا الرأي ، وأنّا أفهم أنّ البشرية بدأت تفكر بتحوُّلات جذرية باتجاه تغيير نسختها الاجتماعية والسياسية فأتوقع أنّ التعددية سوف تجد لنفسها محيطاً وفضاءً وآذانا صاغية ، تبدأ كنظرية ثم تدريجيا تذهب الى اللاوعي فتنعكس على السلوك ولكن هذا أيضا بحاجة الى زمن وبحاجة الى متابعة ولكن في المحصلة النهائية أنا متفائل ان شاء الله .