القائمة الرئيسية

الصفحات

مَن هو أوَّلُ أهل البيت لحوقاً بالنبي فاطمة الزهراء أم المحسن (صلوات الله عليهم ) ؟

مَن هو أوَّلُ أهل البيت لحوقاً بالنبي فاطمة الزهراء أم المحسن (صلوات الله عليهم ) ؟
أسئلة زوار  المدونة | السؤال 13
الاسم: زين العابدين
الدولة: العراق
السؤال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : " إنّ أوّل لحوق بي من أهل بيتي فاطمه " والمحسن استشهد قبل فاطمة الزهراء (عليها السلام) ؟
الجواب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إنّ حديثَ النبيّ (صلى الله عليه وآله) في إخبار فاطمة الزهراء (عليها السلام) بأنّها أوّل أهل بيته لحوقاً به حديثٌ صحيح وكذلك أخبار استشهاد المحسن (عليه السلام) صحيحة ولا تعارُض بينهما وذلك من جهة أنّ المحسن (عليه السلام) ما دام لم يكن مولوداً في ظرف صدور الحديث فلا يُعدُّ في تلك اللحظة من أهل البيت لا لغةً ولا اصطلاحاً، ولبسط الجواب نتكلّم في ثلاثة نقاط، الأولى في صحّة حديث النبي (صلى الله عليه وآله) آنف الذكر، والثانية في صحة أخبار استشهاد المحسن (عليه السلام) والثالثة في كيفية الجمع بين الأمرين.

أوَّلاً: صحة قول النبي (صلى الله عليه وآله) لفاطمة (عليها السلام) " إنّك أوّل أهل بيتي لحاقاً بي "

هذا الحديث من جملة ما تفق على روايته وتصحيحه كلا الفريقين السنّة والشيعة، وممّن رواه من الشيعة مُسنَداً أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه المعروف بالشيخ الصدوق في كتاب الأمالي ص 692 بسنده عن عائشة ، قالت : " أقبَلتْ فاطمة ( عليها السلام ) تمشي ، كأنَّ مشيتها مشية رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فقال النبي : مرحبا بابنتي ، فأجلسها عن يمينه ، أو عن شماله ، ثم أسرَّ إليها حديثاً فبَكت ، ثم أسرَّ إليها حديثاً فضحكت ، فقلتُ لها : حدَّثكِ رسول الله بحديثٍ فبكيتِ ، ثمَّ حدَّثكِ بحديثٍ فضحكتِ ، فما رأيتُ كاليوم فرحاً أقربُ من حزنٍ من فرحكِ ؟ وسألتُها عمَّا قال فقالتْ : ما كنتُ لأفشي سرَّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، حتى إذا قُبِض سألتُها فقالتْ : إنَّهُ أسرَّ إليَّ ، فقال : إنَّ جبرئيل كان يعارضني بالقرآن كلَّ سنةٍ مرةً واحدة ، وإنَّه عارَضني به العام مرتين ، ولا أراني إلّا وقد حضر أجلي ، وإنّك أوَّل أهل بيتي لحوقاً بي ، ونِعمَ السلف أنا لك ، فبكيتُ لذلك ، ثم قال : ألا ترضين أن تكوني سيّدة نساء هذه الأمّة ؟ أو نساء المؤمنين ، فضحكتُ لذلك " .
ووردَت روايته في كتبٍ أخرى من مصادر الامامية وأمّا في مصادر أبناء العامّة فقد رواه أيضاً غير واحدٍ من محدّثيهم وفي طليعتهم البخاريّ حيث أخرجه في صحيحه ج4 باب علامات النبوّة في الإسلام ص183، باللفظ الذي نقلناه عن الشيخ الصديق بعينه، وأخرجه غيره كثيرون. 
وقد شهد الواقع التاريخي على صحّة هذا الإخبار الغيبي حيث كانت الزهراء (عليها السلام) أوّل أهل بيته (صلى الله عليه وآله) لحوقاً به لذا يُعدّ هذا الحديث من الإخبارات الغيبيّة التي استدلّ بها غير واحدٍ من العلماء على نبوّة النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلّم) حيث تضمّن الإخبار عن ثلاث حقائق غيبيّة أثبتت الأيّام بتواليها صدق اثنين منها ولاشك ولا ريب في صدق الثالثة وهي:
1- إخباره (صلى الله عليه وآله) بقرب أجله وقد وافته المنيّة في السنة نفسها.
2- إخباره (صلى الله عليه وآله) أنّ فاطمة الزهراء (عليها السلام) أوّل من يلحق به من أهل البيت (عليهم السلام) وقد أثبتت الأيام صدق ذلك أيضاً.
3- والإخبار الثالث والذي لا ريب في صدقه أيضاً هو إخباره (صلى الله عليه وآله) أنّ فاطمة الزهراء (عليها السلام) سيدة نساء الجنّة.
وقد تكلّمنا في مقالٍ سابق بشيء من التفصيل عن أدلة الهجوم على دار الزهراء (عليها السلام) وكيفية استشهادها فيُراجع .

ثانياً: صحة أخبار استشهاد المحسن (عليه السلام)

دلّ على حادثة اقتحام دار الإمام عليّ (عليه السلام) من قبل السلطة القائمة آنذاك واستشهاد المحسن (عليه السلام) سِقطاً روايات وأخبار تاريخيّة كثيرة في مصادر مختلف فرق ومذاهب المسلمين بما يولّد القطع بصحّة أصل الحادثة ومنها:
1- ما رواه ابن قولويه (ت367هـ) في كامل الزيارات ص 548 عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنّه أخبر عن فاطمة الزهراء (عليها السلام) أنّها تطرح ولدها بسبب اقتحام بيتها وضربها وأنّ المحسن عليه السلام هو أوّل من يحكم يوم القيامة في مَن قتله .
2- كان إمام المعتزلة إبراهيم بن سيّار النظّام (ت229هـ) يقول : " إنّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتّى ألقت الجنين من بطنها ..." (الملل النحل، الشهرستاني: 1/ 57).
3- روى الطبري الإماميّ في دلائل الإمامة ص 104 بسنده عن عمار بن ياسر (رضوان الله تعالى عليه) في حديث له عن ظلامة فاطمة الزهراء (عليها السلام) أنّها " ... حملت بمحسن ، فلمّا قُبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجرى ما جرى في يوم دخول القوم عليها دارها ، وإخراج ابن عمّها أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وما لحقها من الرجل أسقطت به ولداً تماماً ، وكان ذلك أصل مرضها ووفاتها (صلوات الله عليها) " .
وهناك أخبار وروايات ونقولات تاريخيّة كثيرة تدلّ على هذه الحادثة بما يدفع الشكّ والريب عن صحّتها ووقوعها وقد تتبّعنا بعضها في هذا المقال : " النصوص الدالّة على استشهاد المحسن (عليه السلام) " وأحلنا إلى مصادر بعضها الآخر فراجع .

ثالثاً: كيفية الجمع بين كون الزهراء (ع) أولُ أهل البيت لحاقاً بالنبي (ص) وبين استشهاد المحسن (ع) قبلها

بعد التحقّق من صحة النصوص الدالة على إخبار النبي (صلى الله عليه وآله) بأنّ الزهراء (عليها السلام) أوّل من يلحق به من أهل بيته (عليهم السلام) وصحة النصوص الدالّة على استشهاد المحسن (عليه السلام) قبل الزهراء (عليها السلام) قد يبدو لبعضهم أنّهما يتعارضان ولكن هذا توَهُّم غير صحيح فلا تعارض بين القولين ونُجمِلُ بيان ذلك في عدّة نقاط:

1- حمل الحديث على أنّه قضية خارجية

إنّ المحسن (عليه السلام) لم يكن مولوداً في وقت صدور الحديث، فيُحمَل قول النبي (صلى الله عليه وآله): " أوّلُ أهلُ بيتي " على أنّه قضية خارجيّة وليست حقيقيّة فالحكم فيها مسلَّط على خصوص المصاديق المتحققة في الخارج فعلاً في ظرف صدور الحديث أي أنّه كان يقصد أنّها (عليها السلام) أوّل أهل البيت لحاقاً به من أهل البيت الموجودين فعلاً في الخارج عند صدور الحديث لا من مجموع الموجودين ومن سيوجَد لاحقاً بعد صدور الحديث، وأمثال هذا كثير في الروايات والنصوص الشرعية ويعرف ذلك من لديه أدنى إلمامة بالعلوم الشرعية.

2- المحسن (عليه السلام) غير مشمول بعنوان (أهل البيت) لا لغة ولا اصطلاحا

وبيان ذلك أنّ عنوان (أهل البيت) على معنيين لغوي واصطلاحي :
فأمّا معناه اللغوي فهو: مَن يسكن البيت، قال الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت175هـ) في كتاب العين ج4، ص89 : " أهل البيت : سكّانه ".
وفي ظرف صدور الحديث لم يكن المحسن (عليه السلام) مولوداً بعدُ فلا يصدق عليه أنّه من سكان البيت وبالتالي لا يصدق عليه أنّه من أهل البيت وقتها لغةً وبهذا لم يكن منظورا إليه في حديث النبي (صلى الله عليه وآله) الذي هو محلّ البحث.
وأمّا معنى أهل البيت اصطلاحاً: فقد تواترت النصوص في تحديده بالخمسة أصحاب الكساء والأئمة التسعة من أولاد الإمام الحسين (عليهم السلام) حيث يدخلون فيه بالنص عليهم من قبل النبي (صلى الله عليه وآله) أو بنصّ السابق على اللاحق، وهذا هو المراد من أهل البيت في آية التطهير أعني قوله تعالى: { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } (الأحزاب/ 33).
ومن النصوص الدالة على هذا المعنى حديث الكساء الوارد بطرقٍ صحيحة في مصادر الفريقين ( السنة والشيعة) منها ما رواه مسلم في صحيحه ج7، ص130 بسنده عن عائشة قالت: " خرج النبي صلى الله عليه وسلم غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخَله ثم جاء الحسين فدخل معه ثم جاءت فاطمة فأدخَلها ثم جاء علي فأدخَله ثم قال: { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ..} " . وورد في مسند أحمد ج4 ، ص107 أنّه (صلى الله عليه وآله) بعد أن قرأ الآية قال: " اللهم هؤلاء أهل بيتي ".
وهناك أحاديث أخرى كثيرة تدلّ على أنّ هؤلاء الخمسة الأطهار هم المقصودون بمصطلح أهل البيت (عليهم السلام) ويدخل معهم فيه التسعة من أولاد الحسين (عليه وعليهم السلام) لنصِّ السابق على اللّاحق وليس فيهم المحسن (عليه السلام).
ومن كلّ ما سبق يتضح أنّ مراد النبي (صلى الله عليه وآله) بقوله لفاطمة (عليها السلام) : " إنّك أوّل أهل بيتي لحاقاً بي " أنّها (عليها السلام) أوّل من يلحق به من الخمسة أصحاب الكساء (عليهم السلام) فهم المعنيون بقوله (أهل بيتي).
وخلاصة هذا الجواب أنّ المحسن (عليه السلام) غير مشمول في قوله (صلى الله عليه وآله) : " أهل بيتي " في هذا الحديث سواء حملناه على معناه اللغوي أو الاصطلاحي، أمّا من جهة اللغة فلأنّ المراد بأهل البيت سكانه والمحسن (عليه السلام) كان وقتها جنيناً لم يُولد بعدُ ليصدق عليه أنّه من سكان البيت، وأمّا اصطلاحا فلأنّ المراد بأهل البيت في ظرف صدور الحديث هم الخمسة أصحاب الكساء (عليهم السلام) دون غيرهم .

3- معنى اللحوق لا يشمل المحسن (عليه السلام)

فإنّ  المحسن (عليه السلام) وإن كان قد قضى شهيداً مظلوماً وهو مع جده (صلى الله عليه وآله) في الجنان ولا ريب في ذلك ولكن لا يصدق عليه عنوان اللحوق بالنبيّ ( صلى الله عليه وآله) لأنّ الجنينَ الذي يكونُ في رحمِ أمّهِ لم تبدأ حياتهُ الفعليّة بحيثُ يُحسبُ عمره، بل إنّ حسابَ السنّ يبدأ بعد ولادتهِ وخروجهِ لهذا العالم، وعليه فسقوط المحسن (عليه السلام) لا يصدقُ عليهِ أنّهُ لحوقٌ بالنّبيّ، فهو لم يدركهُ أساساً، فكيفَ يكونُ سقوطهُ لحوقاً بالنّبيّ؟!.
فإنّما يصح عنوان اللحوق عرفاً على من عاش شيئاً من حياته أيّام النبي (صلى الله عليه وآله) ثم ارتحل بعد رحيل النبي بمدّة وأمّا المحسن (عليه السلام) فلم يولد حتى يصدق عليه ذلك ومن هنا يتضح أنّ الحديث غير ناظر إليه وإنّما هو ناظر إلى من عاش شيئاً من حياته من أهل البيت (عليهم السلام) ويُستفاد ذلك من قوله (صلى الله عليه وآله) (لحاقا) او (لحوقاً) على اختلاف الروايات ، وبالتقريب المتقدّم.

لإرسال سؤالك اضغط هنا