القائمة الرئيسية

الصفحات

طرق تحديد اتجاه القبلة
أسئلة زوار المدونة | السؤال 16
الاسم : سلام
الدولة : العراق
السؤال : السلام عليكم .. ما طرق معرفة اتجاه القبلة ؟
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ..
القبلة هي : " المكان الواقع فيه البيت الشريف، ويتحقّق استقباله بالمحاذاة الحقيقيّة مع التمكّن من تمييز عينه والمحاذاة العرفيّة عند عدم التمكّن من ذلك " .(منهاج الصالحين، السيد السيستاني: ج1) .
قال تعالى: { قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ۗ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ } (سورة البقرة 144) .
فبعد ملاحظة وجوب استقبال القبلة واستناداً لقاعدة الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني أفتى الفقهاء بأنَّه : " يجب العلم باستقبال القبلة، وتقوم مقامه البيّنة - إذا كانت مستندة إلى المبادئ الحسيّة أو ما بحكمها كالاعتماد على الآلات المستخدمة لتعيين القبلة - ويكفي أيضاً الاطمئنان الحاصل من المناشئ العقلائيّة كإخبار الثقة أو ملاحظة قبلة بلد المسلمين في صلواتهم وقبورهم ومحاريبهم، بل الظاهر حجّيّة قول الثقة من أهل الخبرة وإن لم‏ يُفِد الظنّ حتّى مع التمكّن من تحصيل العلم بها .
ومع تعذّر تحصيل العلم أو ما بحكمه يبذل المكلّف جهده في معرفتها، ويعمل على ما يحصل له من الظنّ، ومع تعذّره أيضاً يكتفي بالصلاة إلى أيّ جهةٍ يحتمل وجود القبلة فيها، والأحوط استحباباً أن يصلّي إلى أربع جهات مع سعة الوقت، وإلّا صلّى بقدر ما وســع، وإذا علـم عدمـها في بعض الجهات فيأتي بالصـلاة إلى المحتمـلات الأُخر . " (منهاج الصالحين، السيد السيستاني: ج1، م515) .

كيفية تحديد اتجاه القبلة 

وأمّا كيفيّة تحصيل العلم بجهة القبلة فيكون من خلال مجموعة من الطرق، تعرَّض لذكرها الفقهاء في مدوناتهم الفقهية وقد مرّ عليك قبل قليل بعضها كالشياع المفيد للعلم أو الاطمئنان ، وكذلك الاعتماد على الأجهزة الحديثة (البوصلة) إذا كانت تفيد الاطمئنان وغيرها طرق كثيرة ، كما يمكن الرجوع إلى بعض الطرق المذكورة في علم الهيئة والفلك كعلامات تُرشد إلى جهة الكعبة المشرفة كملاحظة ظلّ الشاخص وقت تعامد الشمس فوق مكة المكرّمة ، فضلاً عن إمكان تحديد جهتها من خلال قبور المعصومين (عليهم السلام) في المناطق المقدسة هذا بشكلٍ مجمل لمن لم يكن حاضر الكعبة المشرّفة أما من كان حاضراً فلا حاجة به لمثل هذه الطرق لإمكان تحصيل العلم بجهتها اعتماداً على الحسّ كما لا يخفى وتفصيل ذلك كما يلي :

طرق معرفة اتجاه القبلة
يمكن تحديد اتجاه القبلة بطرق كثيرة منها ..

الطريقة الأولى : تحديد جهة القبلة بواسطة الشياع

فإذا كان شائعاً بين المسلمين أنّ جهة القبلة في اتجاه معيَّن كفى ذلك للعمل به من الناحية الشرعيّة لأنّ مثل هذا الشياع يعدّ منشئاً عُقلائياً لتوليد الاطمئنان وهو علمٌ، فحجيته ذاتية .
وإحراز جهة القبلة بهذه الطريقة أمرٌ متيسّر للمسافرين ولا يتطلّب مؤونة أو مقدمّات علميّة تخصصية ، ولعلها الطريقة الأكثر شيوعاً بين المسلمين عموماً.

الطريقة الثانية : بواسطة الأخبار المتواترة

وذلك من جهة أنّ التواتر يفيد العلم، فتكون حجيّته ذاتية ومنشأ إفادته للعلم هو تراكم الاحتمالات على تفصيل مذكور في محلّه من علم الأصول .
والمراد من التواتر في المقام أن يُخبِر بجهة القبلة جماعة يستحيل حملهم على التواطؤ على الكذب ، ويختلف عدد الجماعة التي يكفي توفرها في تحقق التواتر من حالة إلى أخرى، فكلّما كانت حال المخبرين من حيث العدالة والوثاقة والخبرة مجهولة كلّما احتجنا إلى عدد أكبر ليتحقق التواتر والعكس بالعكس، أي إذا كان بعض المخبرين من العدول أو الثقات أو من أهل الخبرة سنحتاج إلى عدد أقل لتحققه، هذا مع ملاحظة سائر العوامل الدخيلة في رفع أو تضعيف قيمة الاحتمال ممّا يخرجنا تفصيله عن موضوعنا .

الطريقة الثالثة : بواسطة فعل أو قبر المعصوم (عليه السلام)

فهذه الطريقة تشتمل على ثلاثة أمور تفيد العلم بجهة القبلة هي :
1- معرفة جهة القبلة من خلال المحراب الذي بناه المعصوم (عليه السلام)
كمحراب مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) في المدينة المنوّرة فيمكن الاعتماد عليه في تحديد اتجاه قبلة المدينة وهكذا غيره من محاريب المعصومين (عليهم السلام) فهي تفيد العلم بجهة القبلة وذلك من جهة حجيّة فعل المعصوم وقوله وتقريره سواء في الأحكام الشرعية أو تشخيص الموضوعات لعموم أدلّة وجوب طاعة المعصوم كقوله تعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ } (سورة النساء / 59) .
ولكن للانتفاع من هذه الطريقة في زماننا يجب في المقام الأوّل إحراز عدم تغيير جهة المحراب طوال الأعوام المتمادية بعد بنائه من قبل المعصوم عليه السلام .
2- معرفتها من جهة صلاة المعصوم (عليه السلام)
وذلك ببيانٍ قريبٍ من البيان الذي ذكرناه في النقطة السابقة، ولكن الانتفاع من هذه الطريقة في زماننا شبه متعّذر .
3- معرفتها من جهة قبر المعصوم (عليه السلام)
وذلك من جهة أنّ المعصوم لا يلي دفنه إلّا المعصوم ويجب في دفن الميّت وضعه على الجانب الأيمن موجّهاً وجهه إلى القبلة وبلحاظ ذلك يمكن معرفة جهة القبلة بواسطة هيئة قبر المعصوم (عليه السلام) .

الطريقة الرابعة : بواسطة شهادة عدلين أو إخبار الثقة

وشهادة العدلين لا تفيد العلم كما هو واضح وإنّما هي أمارة ويُشترَط في اعتبارها في تحديد جهة القبلة أن تكون شهادتهما مستندة إلى الحسّ أو قريبة منه ، أمّا إذا كانت مستندة إلى الحدس فلا قيمة لها .
ويمكن الرجوع إلى هذه الطريقة (شهادة عدلين) حتى في حالة إمكان تحصيل العلم وذلك لإطلاق أدلّة حجيّة البيّنة حتّى مع التمكّن من تحصيل العلم (يُنظر : القبلة وما يُستقبل له، الشيخ الفياض : ص48) وبإطلاقه يكون شاملاً للمتمّكن من تحصيل العلم، والكلام هو الكلام في إخبار الثقة .

الطريقة الخامسة :  بواسطة نجم الجَدي

تحديد اتجاه القبلة بواسطة نجم الجدي
وهذه الطريقة ليست مطّردة فلا تشمل جميع بقاع الأرض وإنّما هي خاصّة ببعضها دون بعض، قال السيّد الخوئيّ (قدّّس سرّه): " لم يَرِد في شيءٍ من روايات الباب التعرُّض لأمارةٍ بالخصوص لاستعلام القبلة لدى العجز عن تحصيل العلم ما عدا الجدي ، حيث ورد الأمر بجعله في القفا أو على اليمين أو بين الكتفين على اختلاف ألسنة الأخبار ، لكن من الضروري عدم اطراد هذه العلامة في جميع الآفاق وعلى سبيل الإطلاق ، بل هي مختصّة بالعراق وما والاه ممّا تكون قبلته نقطة الجنوب أو ما يقرب منها ، وإلا فقد يكون الجدي في يمين المصلّي أو يساره أو قبال وجهه حسب اختلاف مناطق البلاد من كونها في شرق مكة أو غربها أو جنوبها كما يظهر ذلك بوضوح لمن يصلي في المسجد الحرام ، فإنّه لو اتجه نحو الجنوب عند استقبال الكعبة فالجدي على قفاه أو نحو الشمال فهو قبال وجهه ، أو نحو المشرق فعلى يساره ، أو نحو المغرب فعلى يمينه ، وبهذا المنوال يلاحَظ البلدان الواقعة في طول هذه الجهات الأربع ، فإن حكمها حكم المصلي في نفس المسجد .
وبالجملة ، فلا كليّة لهذه الأمَارة ، مضافاً إلى ضعف هذه الروايات بأجمعها كما ستعرف إن شاء الله تعالى .
على أنّ هذه الأمارة في مورد اعتبارها من الأمارات المفيدة للقطع ، إذ الجدي واقعٌ في طرف الشمال ، ففي البلدان التي تكون شمالي مكة التي تكون قبلتها طبعاً نقطة الجنوب متى جعل الجدي فيها على الكيفيّة الخاصة أورث القطع بالاستقبال بطبيعة الحال ، من غير حاجة إلى النص ، وعليه فلا تكون هذه العلامة في طول العلم بحيث لا يعوّل عليها إلا لدى تعذّره ، بل هي من موجبات حصوله وتحققه " . (شرح العروة الوثقى - الصلاة ( موسوعة الإمام الخوئي )، ج ١١، تقرير بحث السيد الخوئي، ص ٤٥٣)

الطريقة السادسة : تحديد جهة القبلة أثناء تعامد الشمس فوق مكة المكرّمّة

تحديد جهة القبلة بواسطة تعامد الشمس على مكة المكرمة
تحصل هذه الظاهرة في كلّ سنة شمسية مرتين ، وهذه الطريقة دقيقة جداً وتفيد العلم القطعي بجهة القبلة قال الشيخ حسن زادة آملي: " هذا طريقٌ دقيق تحقيقي ومع ذلك سهل جدّا لا يحتاج إلى كثرة حساب وعمل وآلة " .(دروس معرفة الوقت والقبلة، الشيخ حسن زادة آملي: ص445) .
ويتمّ الاعتماد على هذه الطريقة في النصف الشمالي من الكرة الأرضية حيث تشترك مع مكة المكرّمة بالنهار ، وبيان ذلك أنّ مكة المكرمة تقع في شمال خطّ الاستواء، ومن ثمّ فإن حركة الشمس (الظاهرية) تكون شمال وجنوب هذا الخط في فصلي الصيف والشتاء مما يعني أنّ الشمس ستمرّ أثناء ذلك فوق مكّة المكرّمة مرتين في كلّ سنة، أُولَاهما عند مرورها شمال خط الاستواء، والأخرى أثناء حركتها عند الرجوع .
ووفقا لهذه الظاهرة يمكن تعيين القبلة بصورة دقيقة في البلدان الواقعة في النصف الشمالي من الكرة الأرضيّة في يومين من كلّ سنة ميلادية هما: اليوم التاسع والعشرون من الشهر الخامس (أيّار) واليوم السادس عشر من الشهر السابع (تموز) وذلك لأنّ قائم الشمس يكون عمودياً على الكعبة المشرّفة عند الزوال في هذين اليومين أي أنّه إذا تمّ وضع عمودٍ مستقيم تماماً على الأرض في مكة المكرمّة فسوف لا يكون له ظلٌ أصلاً.
فإذا تمّ وضع شاخص (عمود) شاقولي (مستقيم) تماماً في أيّ مكانٍ آخر في النصف الشمالي من الكرة الأرضية ولُوحِظ ظلّه في وقت الزوال في مكة المكرّمة يتبيّن اتجاه ظلّه جهة القبلة بصورة دقيقة جداً . ولكن انتبه إلى أّنّ هذه التجربة يتمّ اجراؤها في وقت الزوال بتوقيت مكة المكرمة وليس بتوقيت البلد الذي تجري فيه التجربة، ووقت الزوال في مكة المكرّمة يوم 27 أيار يكون في الساعة 9:18 بتوقيت غرينتش وأمّا في يوم 16 تموز فيكون في الساعة 9:27 بتوقيت غرينتش .
وأمّا المناطق التي تقع في النصف الآخر من الكرة الأرضية أي المناطق التي لا تشترك مع مكة المكرمة في النهار فيمكنها أيضا تحديد اتجاه القبلة بشكلٍ دقيق وبنفس هذه الطريقة ولكن بكيفية مختلفة حيث يمكنهم تحديد اتجاه القبلة عندما تتعامد الشمس مع المنطقة التي تكون مقابلة تماماً للكعبة المشرفة في النصف الآخر من الكرة الأرضية بحيث يكون الخط بينهما مستقيما ولا يضرّ بذلك ما قد يلاحظ من تحديب هذا الخط بسبب كروية الأرض، ولكن في هذه الحال تكون القبلة باتجاه طرف الظل البعيد عن الشاخص وليس الملاصق له أي يكون اتجاه القبلة عكس اتجاه السهم في الصورة أعلاه .
ويحدث تعامد الشمس على المنطقة المقابلة لمكة المكرّمة في النصف الآخر من الكرة الأرضية مرتين في السنة أيضاً وهما اليوم الثاني عشر من شهر كانون الثاني عند الساعة 21:29 بتوقيت غرينتش واليوم الثامن والعشرين من شهر تشرين الثاني عند الساعة الساعة 21:09 بتوقيت غرينتش وهو يوافق منتصف ليل مكة المكرمّة تقريباً .

الطريقة السابعة : استعمال البوصلة أو الأدوات الذكية

تحديد القبلة بالبوصلة والاجهزة الحديثة
يمكن تحديد جهة القبلة من خلال استعمال البوصلة المتوفرة في الأسواق والمصنوعة خصيصاً لهذا الغرض أو أي بوصلة او جهاز ذكي مجهَّز بنظام يُمَكِّنه من تحيد جهة الكعبة المشرَّفة ولكن يُشترَط في جواز الاعتماد على هذه الأجهزة أن يتولّد الاطمئنان لدى المكلّف بصحة نتيجتها وإلّا فليس له التعويل عليها .
ويتم برمجة هذه الأجهزة في الغالب على التأشير على موقع الكعبة المشرفّة الواقعة على خط عرض 21.4224779 وخط طول 39.8251832 فيمكنها رسم خط يشير باتجاه الكعبة المشرفة بشكلٍ آلي كمؤشر البوصلة المعروفة بـ (بوصلة القبلة) أو بعد تزويده بموقعك يدوياً كما في بعض البرامج والتطبيقات الإلكترونيّة .
وهناك طرق أخرى كثيرة مذكورة في المطولات الفقهية والمصنفات المتخصصة لهذا الغرض يعتمد بعضها على حسابات رياضية معقّدة لا تتيسر لغير دارس الهندسة والهيئة، راجع مثلاً كتاب دروس في معرفة الوقت والقبلة من تأليف الشيخ حسن زادة آمُلي (حفظه الله) فهو نافع وقيّم ودقيق في هذا المجال لإلمام المؤلِّف بأكثر من علمٍ من العلوم التي تساعد على تكثير هذه الطرق .
وفي حال عدم التمكن من الحصول على العلم بجهة القبلة بأي طريقة كانت وتعذر ذلك على المكلّف يمكنه الرجوع إلى الأمارات الظنية التي لا تفيد العلم الدقيق بجهة القبلة ولعلّ أيسرها الاستعانة بحركة الشمس إذ أنّها تُشرِق صباحا من جهة المشرق وتغرب في الغرب فإذا كان يعلم مثلاً أنّ مكة المكرّمة تقع جنوب بلاده يمكن تحديد اتجاه القبلة بأن يقف متوجهاً إلى الشرق (مطلع الشمس) فستكون في هذه الحال جهة الغرب من خلفه بينما تكون جهة الشمال على يساره وجهة الجنوب على يمينه . وهكذا يمكنه تحصيلها بالطريقة نفسها إذا علِم أنّ مكة المكرمة تقع شرق بلاده أو شمالها أو غربها .

لإرسال سؤالك اضغط هنا