القائمة الرئيسية

الصفحات

بحث في توثيقات العلامة الحلي وأضرابه من المتأخرين | آية الله السيد محمد رضا السيستاني (دام عزه)

 

بحث في توثيقات العلامة الحلي وأضرابه من المتأخرين | آية الله السيد محمد رضا السيستاني (دام عزه)

توثيقات العلامة وأضرابه من المتأخرين (1) - آية الله السيد محمد رضا السيستاني (دام ظلّه)

(المصدر: كتاب قبسات من علم الرجال، تقرير أبحاث السيد محمد رضا السيستاني (حفظه الله)، ج1، ص26 - 28)

قال السيد الأستاذ (قدس سره) (2) : ومما تثبت به الوثاقة أو الحُسن أن ينصَّ على ذلك أحد الأعلام المتأخرين بشرط أن يكون مَن أخبر عن وثاقته معاصراً للمُخبر أو قريب العصر منه، كما يتفق ذلك في توثيقات الشيخ منتجب الدين أو ابن شهرآشوب، وأمَّا في غير ذلك كما في توثيقات ابن طاووس والعلامة وابن داود ومَن تأخَّر عنهم كالمجلسيّ لمن كان بعيداً عن عصرهم فلا عبرة بها، فإنَّها مبنيَّة على الحدس والاجتهاد جزماً، وذلك لأنَّ السلسلة قد انقطعت بعد الشيخ (قدس سره)، فهو حلقة الاتصال بين المتأخرين وأرباب الأصول التي أخذ منها الكتب الأربعة وغيرها. ولا طريق للمتأخرين إلى توثيقات رواتها وتضعيفهم غالباً إلا الاستنباط وإعمال الرأي والنظر.

نعم قد يتفق أن العلّامة وابن داود يحكيان عن ابن عقدة توثيقاً لأحد إلّا أنَّهما لا يذكران مستند حكايتهما. والعلّامة لم يذكر في ما ذكره من الكتب التي له إليها طريق في إجازته الكبيرة كتاب الرجال لابن عقدة.

أقول: ينبغي البحث في موردين..

[ توثيقات العلّامة الحليّ وأضرابه في كتبهم الرجاليّة ]

(الأوَّل): في توثيقات العلّامة وأضرابه في ثنايا كتبهم الرجالية كالخلاصة ونحوها، مما لم يُعثر على مستند لها في كتب المتقدمين الواصلة إلينا.

وهذه التوثيقات حالها حال توثيقات المتقدمين إذا كان الموثِّق مثل العلامة (قدّس سرّه) ممّن دلّت الشواهد على أنَّه كانت لديه بعض المصادر الرجاليّة الأخرى غير الأصول الخمسة الواصلة إلى المتأخرين ككتاب ابن عقدة، وأما عدم ذكر طريقه إلى هذا الكتاب في إجازاته فلا يقتضي عدم اعتباره، إذ لا ينحصر اعتبار النسخ الواصلة إلى المتأخرين من كتب المتقدمين في وجود الطريق إليها، بل كثيراً ما يحصل الوثوق بالنسخة بوجه آخر كما إذا كان عليها خط بعض العلماء السابقين ونحو ذلك.

ومن المعلوم من طريقة العلّامة (قدّس سرّه) في الخلاصة أنَّه يفرّق بين الموارد، فتارةً يصرِّح باسم من أخذ التوثيق من كتابه وتارةً أخرى لا يصرِّح بذلك وإنَّما يُعرف بالمقارنة بين عبارته وما ورد في كتاب النجاشي أو الشيخ ــ مثلاً ــ أنَّه أخذه من هذا أو ذاك، وربما لا يُعرف مصدره لعدم توفره عندنا، وعلى ذلك فإذا وثَّقَ أحداً واحتمل كونه مأخوذاً من كتاب ابن عقدة أو غيره من المصادر فحاله في الاعتبار حال توثيق الشيخ ــ مثلاً ــ لأحد الرواة، ولا وجه للتفريق بينهما.

وأما العلّامة المجلسيّ ونظراؤه ممَّن وصل إلينا ما توفر لديهم من المصادر فمن الواضح أنه لا يجري البيان المتقدم في توثيقاتهم، فلا يُعتمد عليها لابتنائها على الحدس والاجتهاد لا محالة.

[ تصحيحات العلّامة الحليّ وأضرابه للطرق والأسانيد]

(الثاني): في تصحيحات العلّامة وأضرابه للطرق والأسانيد في ثنايا كتبهم الفقهيّة أو في خاتمة الخلاصة ونحوها، مما تبتني على وثاقة بعض الرواة غير الموثَّقين في كتب الرجال.

وهذه التصحيحات لا يعتدّ بها، فإن جلّها أو كلها تعتمد على مبانٍ اجتهادية صرفة.

والوجه في ذلك: أن العلّامة ــ مثلاً ــ قد أورد في الخلاصة ما كان لديه في كلمات السابقين من إضافات على ما ورد في الأصول الرجالية الخمسة، فمن المظنون قويّاً أن تصحيحه لخبر من لم يوثّقه في الخلاصة لا يعتمد على ما ورد في كتب المتقدمين من مدحٍ أو توثيقٍ، بل على ضربٍ من الحدس والاجتهاد ــ كاستغناء شيوخ الإجازة عن التوثيق(3)  ــ فلا يمكن التعويل عليه بناءً على حجيّة قول الرجاليّ من باب حجيّة خبر الثقة في الموضوعات، بل وحتى بناءً على حجيّته من باب حجيّة قول أهل الخبرة فإنَّه إنَّما يكون حجَّة فيما إذا احتُمل ــ احتمالاً معتداً به ــ استناده إلى مقدمات صحيحة، ويمكن أن يقال: إنَّ توثيق العلّامة وأضرابه لمن لم يكن عندهم مستند لوثاقته من كلمات السابقين ليس كذلك، فليتأمل.

ومما يشهد لذلك ما وقع للشهيد الثاني (قدّس سرّه)(4)، فقد عبّر عن روايةٍ لعمر بن حنظلة بالصحيحة، وقال ولده المحقّق الشيخ حسن (5) : (من عجيب ما اتفق لوالدي (رحمه الله) أنه قال في شرح بداية الدراية: إن عمر بن حنظلة لم ينص الأصحاب عليه بتعديل ولا جرح. ولكنَّه حقّق توثيقه من محل آخر). ووجدتُ بخطه (رحمه الله) في بعض مفردات فوائده: (أن الأقوى عندي أنّه ثقة لقول الصادق (عليه السلام) : ((إذاً لا يكذب علينا)))، والحال أن الحديث الذي أشار إليه ضعيف الطريق، فتعلّقه به في هذا الحكم مع ما عُلم من انفراده به غريب، ولولا الوقوف على الكلام الأخير لم يختلج في الخاطر أن الاعتماد في ذلك على هذه الحجة).

فتحصل ممّا تقدّم: أنّه ينبغي التفريق في توثيقات المتأخرين، ولا محلّ للقول باعتبارها أو عدم اعتبارها بقولٍ مطلق.

هذا كله على القول بحجية توثيقات الرجالين، ومنه يظهر الحال بناءً على ما هو المختار من أنها إنما تصلح أن تكون من مبادئ الاطمئنان بوثاقة الراوي أو بصدور خبره من الإمام (عليه السلام).

_____

الهوامش:

(1) بحوث في شرح مناسك الحج ج:12، 13، 14 (مخطوط).

(2) معجم رجال الحديث ج:1 ص:37ــ40.

(3) كما نجد أن المحقق الشيخ حسن نجل الشهيد الثاني (قدس سره) قد صحح في كتابه منتقى الجمان روايات الصدوق التي وقع محمد بن علي ماجيلويه في طريقها وذكر في مقدمة المنتقى (ج:1 ص:39ــ40) أنه اعتمد في ذلك على استغناء مشايخ الإجازة عن التوثيق.

(4) مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام ج:7 ص:444.

(5) منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان ج:1 ص:19 (بتصرف).

ملاحظة: العناوين المحصورة بين القوسين المزدوجين [  ] أضفناها لتسهيل مراجعة البحث وليست في المصدر.