القائمة الرئيسية

الصفحات

المواقف الجهادية والسياسية لعلماء النجف الأشرف في القرن الرابع عشر بقلم السيد محمد الغروي

المواقف الجهادية والسياسية لعلماء النجف الأشرف في القرن الرابع عشر بقلم السيد محمد الغروي

 المواقف الجهادية والسياسية لعلماء النجف الأشرف في القرن الرابع عشر بقلم السيد محمد الغروي

حصلت أمور كثيرة سياسية وجهادية ضد الاستعمار في القرن الرابع عشر في النجف الأشرف وعلى ضوئها برزت المواقف الصادقة الكريمة من العلماء وذلك أن الحوزة العلمية في النجف الأشرف كما هو شأن كافة الحوزات والعلماء عبر التاريخ تكون مع كرامة الوطن واستقلاله وعزّته وضد هيمنة الاستعمار على ثروات البلد وإدارته وثقافته.

كما يتبين من هذه المواقف مدى قدرة العلماء على قيادة الأمة المسلمة ومدى انقياد المسلمين لمراجعهم وبالتالي تتجلى هذه القوة العظيمة التي يملكها العلماء المخلصين من خلال الثقة التامّة المتبادلة بين القيادة والقاعدة التي تسبّب العائق الصعب والصمّام الأمان أمام غزو المستعمر لبلاد المسلمين ثقافيا واقتصاديا وعسكريا .

ومن هذا المنطلق يحارب الاستعمار العلماء المراجع ويشوّه أجوائهم العطرة ويسعى في إفساد أخلاق الناس وخاصة الشباب حتى يبتعدوا عن الدين وينفصلوا عن العلماء ويضعف الارتباط بين القوى الشابة والقيادة الدينية الحكيمة . ونحن لا نستعرض هذه المواقف بصورة مفصلة لأن ذلك بحاجة إلى وضع كتب ضخمة مفصّلة وإنما نشير إليها باختصار حتى نستذكر من جهة : أمجادنا وعزنا وشرفنا وكرامتنا . ومن جهة أخرى : نقدم لمن يريد دراسة المواقف السياسية لعلمائنا الأبرار ، الأسماء والمحطات حتى ينطلق الباحث إلى المصادر والمراجع بكل سهولة . وهي :

[ ثورة التنباك ]

أولا : - ففي عام 1309 هـ - 1891 م صدر فتوى للإمام السيد الشيرازي الكبير بتحريم التدخين بالتبغ والتنباك بعد أن أعطى ناصر الدين شاه في إيران الرخصة لشركة ريجي البريطانية لزراعة التبغ وتصنيعها وتوزيعها وشاع التحريم في أوساط المسلمين في العراق وإيران وامتنعوا جميعا عن التدخين وأعلنوا ولائهم للمرجع فاضطر ناصر الدين شاه إلى سحب الترخيص عن شركة ريجي وبهذا الموقف استطاع الميرزا الشيرازي الكبير منع بريطانيا من التغلغل في إيران آنذاك عبر هذه الاتفاقية الاقتصادية لاستعمار البلاد ثقافيا وتجاريا وسياسيا واشتهر الفتوى هذا ب ( فتوى التنباك ) .

[ الحركة الدستورية في إيران او ما يُعربف بـ المشروطة ]

ثانيا : - وفي عام 1324 هـ - 1907 م نشبت معركة سياسية في إيران بين أنصار مجلس الشورى ( البرلمان ) وأنصار المستبدين أيام مظفر الدين القاجار حيث اشتهرت ب (معركة المشروطة والاستبداد).

وكان من أنصار تأسيس مجلس الشورى على أساس القرآن والسنة ، وإقرار القوانين الصادرة من المجلس إذا كانت موافقة مع الشريعة الإسلامية ، الأعلام الكبار الثلاثة في النجف الأشرف وهم : الشيخ محمد كاظم الخراساني والشيخ ميرزا خليل والشيخ ميرزا عبد اللّه المازندراني حيث أعلنوا في نداء مشترك مضمونه : تأسيس مجلس الشورى (البرلمان) لمحاربة الظلم وإغاثة المظلوم ونصرة الملهوف والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والباذل جهده في سبيل إرضاء الشعب والمحافظة على الإسلام ، راجح عقلا وشرعا وعرفا بل يكون واجبا والمخالف لمثل هذا المجلس ( البرلمان ) مخالف للشريعة الغراء ومعاند لصاحب الشريعة.

وأدى هذا الموقف من كبار علماء النجف الأشرف إلى عزل محمد علي شاه المناوئ لتأسيس البرلمان واستمراريته .

الحرب العالمية الأولى وموقف علماء النجف الأشرف منها

ثالثا : - اندلعت الحرب العالمية الأولى في 1 آب 1914 م - 1333 هـ وتوجهت بريطانيا نحو الخليج ووطئت أقدام أول جندي بريطاني على أرض البصرة من جنوب العراق في نفس العام الموافق ل 1333 هجري وتصدّى علماء الجنوب المتخرجون من النجف الأشرف إلى التصدي لاحتلال بريطانيا أراضي العراق.

وعندما أعلنت الحرب العالمية الأولى ودخل الأتراك الحرب إلى جانب الألمان بادرت القوات البريطانية المرابطة في عبادان من إيران لاحتلال جنوب العراق ، وعندها أفتى علماء النجف الأشرف بوجوب الدفاع عن بيضة الإسلام والوقوف في وجه الكفار ، وبالرغم من الظلم والاستبداد الذي عاناه العراقيون زمنا طويلا من الأتراك فقد وقفوا معهم جنبا لجنب وانتظموا في جبهات حربية قادها المجتهدون بأنفسهم ونزلوا معها ساحات القتال ، كجبهة الشعيبة التي قادها السيد محمد سعيد الحبوبي وأعوانه ، وجبهة القرنة التي قادها السيد علي الداماد والشيخ عبد الكريم الجزائري تحت إشراف شيخ الشريعة الأصفهاني ، وغيرها من الجبهات ذات النطاق الواسع ، وقد كان الشيخ عبد الكريم الجزائري في طليعة العلماء الذين اشتركوا في الصف الأول مع المجاهدين كما عمل على إثارة المتنفذين ودعاهم للوقوف في وجه الإنكليز المحتلين بالنظر لما كان يتمتع به من كلمة نافذة في الأوساط الدينية والوطنية والعشائرية .

ومن مواقف الشيخ الجزائري المشرفة ما حدث بينه وبين الشيخ خزعل خان أمير عربستان ، الذي كانت له به أوثق الصلات والعلائق ، وكان يكنّ لهذا العالم الجليل حبا واحتراما لا حدّ له ، فقد دعاه للوقوف بوجه الإنكليز ومحاربتهم فأبى إلا أن يمالئهم فقطع صلته به وأبرق له بقوله :

( فرّق بيني وبينك الإسلام ) وله مواقف صلبة مع الذين تساهلوا في أمر الدين والوطن(1).

قال المحقق الطهراني : في الشيخ عيسى مال اللّه عالم فاضل من المجاهدين في الغزو البريطاني للعراق على رأس قومه في صحبة شيخنا شيخ الشريعة الأصفهاني ، والسيد علي الداماد ، وغيرهما من العلماء المجتهدين الذين خاضوا غمار الحرب ونزلوا بأنفسهم إلى الجهاد ، وكان في الجهة المقابلة للقرنة . . . وكان الشيخ عيسى ممن أبلى بلاء حسنا في معركة مزيرعة المقابلة للقرنة ، في يوم 7 كانون الأول سنة 1914 م - 1333 هـ وأنه توفي مساء يوم المعركة حنقا وحسرة بعد فوز الأجنبي بساعتين وذلك في سنة 1333هـ (2).

وقال المدقق الطهراني لدى ترجمته للسيد داماد النجفي : لما التهبت نار الحرب وتوسعت وهاجم الإنكليز العراق وبان خذلان العثمانيين وضعفهم ، وهاج العراق وتصدّى زعماء الدين إلى قيادة المجاهدين ، كان المترجم له من أشدهم حماسا وغيرة فلم يستسغ البقاء في النجف الأشرف ونفر مع من نفر إلى سوح الجهاد وميدان القتال ، وتوزّع العلماء على جبهات القتال فكان المترجم له في جبهة القرنة والعمارة مع شيخ الشريعة الأصفهاني ، والسيد مصطفى الكاشاني ، والسيد مهدي الحيدري ، والسيد عبد الرزاق الحلو وغيرهم من العلماء ومعهم جموع من المجاهدين والقوات العسكرية العثمانية ، وكان السيد محمد سعيد الحبوبي ، والشيخ باقر حيدر وغيرهما في الشعيبة ، والشيخ مهدي الخالصي وولده الشيخ محمد ، والشيخ جعفر الشيخ راضي ، والسيد محمد بن السيد محمد كاظم اليزدي ، والسيد عيسى كمال الدين وغيرهم في جبهة الحويزة ، وعشرات العلماء الآخرين من المجاهدين في الجبهات الأخرى الذين قد ذكروا في كتب الثورة وأشيد ببطولاتهم الخالدة وتضحياتهم النادرة ، ومواقفهم العظيمة المشرفة التي سجلها التاريخ بأحرف من نور .

وعندما انسحب الجيش العراقي إلى الكوت وعيّن كاظم باشا البكتاشي قائدا له بقي المترجم له في الكوت ثلاثة أشهر مع العشائر ثم هبط بغداد هو وكثير من العلماء والرؤساء الذين كان يخشى عليهم من الأسر وظل في الكاظمية حتى هجمت الحكومة على ( سلمان باك ) فتوجه إلى النجف الأشرف وبعد مدة يسيرة وجهت القوات البريطانية ضربتها إلى جهة الغراف لتخليص قواتها المحصورة في الكوت فعاد المترجم له وبعض العلماء إلى المنتفك للوقوف إلى جانب عشائرها وعشائر الغراف وظل هناك أحد عشر شهرا حتى سقطت بغداد بيد العدو .

وقد أصيب كغيره من العلماء المجاهدين والغيارى على الوطن والدين بكبت شديد وضاقت صدورهم بما حلّ بالبلاد الإسلامية على يد الكفار فمات الحبوبي كمدا في الناصرية ومرض آخرون فنقلوا إلى مدنهم فمات منهم من مات ، وظل رهن العلة وفراش السقم من ظل ، وعاد المترجم له إلى النجف الأشرف وهو بكامل صحته واتفق أن حلقت طائرة بريطانية فوق النجف الأشرف لغرض الاستكشاف والاطلاع فما كاد يسمع صوتها ويراها بعينه إلا وشهق شهيقة كانت فيها روحه الطاهرة وكان ذلك في 22 صفر سنة 1336 ه - 1917 م (3) .

وقال الطهراني : استنهض الشيخ باقر آل حيدر العشائر للجهاد ومضى مع جملة منهم إلى القورنة ووقف قبال الإنكليز ومرض في الأثناء فأرجع إلى سوق الشيوخ ومات في محرم 1333 ه - 1914 م (4) .

وقال رحمه اللّه في ترجمة السيد عيسى كمال الدين : ولما هاجم الإنكليز العراق وثار علماء النجف الأشرف وكربلاء والكاظمية وغيرهم وقادوا العشائر وصفوف المجاهدين لحماية الثغور ، كانت للمترجم له مواقف محمودة فقد شارك مشاركة فعالة في تحشيد القوى ، وإثارة العشائر ، وجمع الأموال ، وتهيئة المعدّات الحربية ، وقد جمع رؤساء قبائل الأهواز والحويزة وكتّلهم ضد الإنكليز والشيخ خزعل خان حاكم عربستان في إيران ، وكان الشيخ خزعل من حلفاء الإنكليز في الحرب العالمية الأولى ، وجلب معظمهم معه للإسهام في الجهاد وقد أبلى بلاء حسنا عندما صمم الجيش البريطاني على القضاء على الجيش العثماني المرابط في جنوب القرنة ، فقد زحف هو ومن كان معه من علماء النجف الأشرف بجيوشهم العثماني عن طريق الحويزة والتحموا مع الجيش البريطاني حتى مني بالفشل ، وهزم هزيمة منكرة (5) .

وقال الطهراني في ترجمة السيد عزيز اللّه الأسترآبادي : ولما وقعت الحرب العالمية الأولى سنة 1333 ه - 1914 م وخرج علماء النجف الأشرف للجهاد ومحاربة الإنكليز كان السيد عزيز اللّه الأسترآبادي في الطليعة منهم ، وقد حضر القرنة والشعيبة مع المجاهدين من عشائر العراق والقوات التركية ، وكان شجاعا قوي القلب ذكيا ماهرا في تصليح البنادق وبعض الآلات الحربية ، وله مواقف وخدمات جليلة في تلك المعارك شهدها المحاربون وأكبرها المجاهدون (6) .

وقال في ترجمة الشيخ علي الطريحي النجفي : ولما وقعت الحرب العالمية الأولى ونفر الناس للجهاد من أرجاء العراق وقف ( الشيخ علي الطريحي النجفي ) إلى جانب الدعاة للجهاد ، ودافع عن الدين بكل الوسائل وسانده الزعيم التقي السيد هادي مكوطر فالتحق بالسيد محمد سعيد الحبوبي ، وعاد إلى الشنافية بعد فشل المجاهدين وتوفي فيها في سنة 1333 هـ - 1914 م (7) .

وقال في ترجمة السيد أبو القاسم الكاشاني : ولما خرج والده إلى الجهاد في الثورة العراقية كان في الطليعة من أتباعه الذين يناط بهم الحل والعقد وكانت له آنذاك وقائع وثورات وخطب حماسية خلّدته فإن موقفه من المواقف المشهورة التي لا تزال تذكر فتشكر ولما احتل الإنكليز العراق تتبّع معارضيه تحت كل حجر ومدر فهرب السيد إلى إيران (8) .

وقال في ترجمة الشيخ محمد حسين القمشهي الكبير : كان من الصلحاء الأتقياء والأخيار الأبرار غيورا على الدين وهو من العلماء المجاهدين فقد ذهب للجهاد ومحاربة الإنكليز مع من ذهب من علماء النجف الأشرف (9) .

وقال في ترجمة السيد راضي الحيدري : حضر السيد راضي الحيدري مع أبيه وإخوته في الشعيبة وكادوا أن يغرقوا بعد انكسار جيش المسلمين وأنجاهم اللّه (10) .

وقال في ترجمة السيد علي العلاق : إنه اشترك في الجهاد عند قيام الثورة في العراق إبان احتلال الإنكليز له وكانت له مواقف في الشعيبة ، وخدمات في الكوت فقد حرّض عشائرها وقاد جمعا منها مع أخيه السيد حسين ، وبعد انكسار جيوش المسلمين أحرق بيته في الكوت بإلقاء قنبلة فيه من طرف الكفار وذهب كل أثاثه (11) .

وقال في ترجمة السيد محمد علي هبة الدين الشهرستاني : عاد إلى النجف الأشرف في شهر رمضان سنة 1333 هـ - 1914 م وصادف ذلك زحف جيوش الإنكليز على العراق ، فثار علماء النجف الأشرف وساروا لحفظ الثغور يقودون ألوف المجاهدين وكان للمترجم له دور معروف حتى كان من أمر فشلها ما كان (12) .

وقال في ترجمة الشيخ محمد علي المعصومي : عندما سمع بثورة العراق ضد الإنكليز بقيادة العلماء في النجف الأشرف وغيرها ترك بهبهان وحضر الجهاد في الشعيبة مع الميرزا محمد النوري والشيخ جعفر المحلاتي الشيرازي (13) .

وقال في ترجمة الشيخ علي مانع النجفي : أنه لما التهبت نيران الثورة العراقية ضد الإنكليز ساهم فيها ولمّا استولوا هرب إلى إيران (14) .

هذه لمحة مختصرة عن دور الحوزة العلمية في النجف الأشرف وموقف أعلامها الكبار ضد الغزاة المستعمرين . ومن يرجع إلى تاريخ علمائنا يشاهد وجوها كثيرة مشرقة قاموا بأعمال جهادية جبّارة من أجل صالح كرامة الوطن واستقلاله ضد الطامعين المحتلين .

ثورة العشرين

رابعا : - انتفض المسلمون في العراق الجنوبي بقيادة علماء النجف الأشرف وفي طليعتهم الشيخ محمد تقي الشيرازي القاطن بكربلاء آنذاك في وجه المؤامرات البريطانية على الساحة العراقية عام 1920 حدود عام 1340 هـ وعرفت من تاريخ العراق المعاصر بثورة العشرين .

ومن الواضح أن الثورة لا تندلع بين عشية وضحاها بل تكون نتيجة عوامل سياسية متعنتة خانقة فمن حين غزو بريطانيا لأرض العراق عام 1914 م - 1333 هـ وجهاد الشعب المسلم في جنوب العراق بقيادة المراجع ومشاركة العلماء حتى يوم هزيمة جيش الإسلام أمام جيش العدو البريطاني المدجج بالرجال والسلاح ، إضافة إلى خيانة العملاء من الداخل ، كل ذلك أدّى إلى انفجار شديد في وجه بريطانيا اندلاع ثورة مباركة تسمى في التاريخ الحديث بثورة العشرين بقيادة الإمام محمد تقي الشيرازي ثم ولده الشيخ عبد الحسين وشيخ الشريعة الأصفهاني والسيد محمد علي بحر العلوم والشيخ محمد جواد الجزائري والشيخ جواد الجواهري والشيخ عبد الرضا آل شيخ راضي والشيخ مهدي الخالصي والشيخ محمد رضا الشبيبي وأخوه الشيخ محمد باقر الشبيبي والسيد محمد رضا الصافي والخطيبان السيد صالح الحلي والشيخ محمد علي قاسم وغيرهم فقد هبّ هؤلاء الأبطال بمساعدة من اللّه والجماهير المسلمة في العراق لمحاربة الإنكليز الاستعمارية وقد اشترك الشعب العراقي بكل طبقاته في الثورة الجبارة تحت قيادة علماء الدين العاملين الذين كانوا في مقدمة صفوف الثوار يلبّون نداء اللّه الهادر ويرفضون الذل والهوان إذ يقول تعالى : وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا . وكانت ثورة العشرين نقطة تحول كبرى في تاريخ العراق الحديث إذ لقّنت الاستعمار الإنكليزي درسا لا ينسى .

وننقل إليكم رسالة من الرسائل المفتوحة من الإمام الشيخ محمد تقي الشيرازي إلى العراقيين لنعرف مدى وعي ونضج هذا العالم المجاهد في جهاده ضد الغزاة البريطانيين .

[ رسالة الشيخ محمد تقي الشيرازي إلى الشعب العراقي ]

بسم الله الرحمن الرحيم

إلى إخواننا العراقيين السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته : أما بعد فإن إخوانكم في بغداد والكاظمية ، والنجف الأشرف وكربلاء ، وغيرها من أنحاء العراق قد اتفقوا فيما بينهم على الاجتماع والقيام بمظاهرات سلمية ، وقد قامت جماعة كبيرة بتلك المظاهرات مع المحافظة على الأمن طالبين حقوقهم المشروعة المنتجة لاستقلال العراق إنشاء اللّه بحكومة إسلامية ، وذلك بأن يرسل كل قطر وناحية إلى عاصمة العراق وفدا للمطالبة بحقه ، متفقا مع الذين سيتوجهون من أنحاء العراق عن قريب إلى بغداد . . فالواجب عليكم بل على جميع المسلمين الاتفاق مع إخوانكم على هذا المبدأ الشريف وإياكم والإخلال بالأمن ، والتخالف ، والتشاجر بعضكم مع بعض ، فإن ذلك مضر بما قصدتم ، ويضيّع حقوقكم التي صار الآن أوان حصولها بأيديكم ، وأوصيكم بالمحافظة على جميع الملل والنحل التي في بلادكم في نفوسهم وأموالهم وأعراضهم ولا تنالوا أحدا منهم بسوء أبدا . وتيقنوا أن السكوت عن الظلم أمر لا يستطيع العراقيون تحمله فأسرعوا وساعدوا إخوانكم الذين اعتمدوكم للمطالبة باستقلال بلادهم ، ولا تجعلوا سبيلا لتثبيت الأجنبي كيفما كان ، وامتداد نفوذهم إلى هذه الديار الإسلامية ودوموا مؤيدين ظافرين . .

محمد تقي الحائري الشيرازي 7 رمضان 1338 ه (15) ( 1920 م )

وأختم حديثي في هذا المضمار بما ذكره المحقق الطهراني في ترجمة الشيخ محمد قسّام النجفي حيث قال : ولما هاجم الإنكليز العراق شارك المترجم له في الجهاد فوقف نفسه للدفاع عن البلاد بخطبه الحماسية وإثارته للرأي العام وتحريضه على حمل السلاح فقد أقام النجف الأشرف وأقعدها في خطبه فكان يرقى المنبر في الصحن الشريف والمسجد الهندي فيلهب حماس الناس ويهيج عواطفهم ويدعوهم للالتفاف حول زعماء الدين ، وكانت لتلك الصرخات المدوية آثارها الملموسة ، وتجاوب معه الشيخ - الدكتور أخيرا - محمد مهدي البصير فقد أقام بغداد وأقعدها بخطبه الحماسية ، وقد انتقم منهما الإنكليز بعد الاحتلال فقد هدموا دار المترجم له في الحلة وهرب وسجنوا البصير في بغداد ثم نفوه إلى هنجام (16).

وفي عام 1341 هـ نفي العالمان الكبيران السيد أبو الحسن الأصفهاني والشيخ الميرزا حسين النائيني من النجف الأشرف إثر موقفهما من تحريم الانتخاب ( للمجلس التأسيسي ) لتوقيع وتحرير المعاهدة التي صاغتها بريطانيا للتحكم في العراق وحرّموا المشاركة وكذلك أعلن الشيخ مهدي الخالصي للجماهير عن خلعه بيعة الملك وتحريمه للانتخاب فألقي القبض عليه وأبعد إلى البصرة ومن ثم إلى الحجاز حيث أدى فريضة الحج ثم هاجر إلى إيران .

وبعد تسعة أشهر عاد العلماء المبعدون من إيران بعد إقرار المعاهدة المرفوضة بالجبر والاختيار تحت حراب الإنكليز وفي منتصف ليلة مشئومة (17) .

وفي عام 1360 هـ الموافق 1942 م صدرت فتاوى علماء الدين بمقاتلة الإنكليز .

وقد أصدر آية اللّه الشيخ عبد الكريم الجزائري البيان التالي :

[ رسالة الشيخ عبد الكريم الجزائري إلى الشعب العراقي المسلم ]

بسم الله الرحمن الرحيم

إلى كافة إخواننا المؤمنين المسلمين المتدينين بشريعة سيد المرسلين .

السلام عليكم جميعا ورحمة اللّه وبركاته : لا يخفاكم ما قام به فخامة رئيس الوزراء وأبناء الجيش العراقي الباسل في الحال الحاضر ، من النهضة المباركة لحفظ استقلال العراق - البلاد الإسلامية - وقطع تصرف الأجانب فيها . فيما أعهده فيكم يا معشر العراقيين من الشيم والحمية ، والغيرة الإسلامية ، ولكم السابقة في تشييد هذه الحكومة الإسلامية ، أحثكم وأدعوكم للمساعدة لهذه النهضة الدفاعية ما استطعتم ، فإنها نصرة للدين وحماية للمسلمين.

واللّه يرعاكم بتأييده .

( 6 ربيع الثاني سنة 1360 ه - 1942 م )

وكان المرجع الديني الأكبر السيد أبو الحسن الموسوي قد أصدر الفتوى التالية :

[ فتوى المرجع الكبير السيد أبو الحسن الأصفهاني بالجهاد ضد بريطانيا ]

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام على كافة إخواننا المسلمين وأخص العراقيين منهم .

إن الواجب الديني يقتضي على كل مسلم أن يحفظ بيضة الإسلام وبلاد الإسلام بقدر استطاعته . وهذه البلاد العراقية المشتملة على مشاهد الأئمة ومعاهد الدين ، يجب علينا جمعيا محافظتها من تسلط الكافر والمدافعة عن نواميسها الدينية . فإلى هذا أحثكم وأدعوكم وفقنا اللّه وإياكم لخدمة الإسلام والمسلمين إن شاء اللّه تعالى .

( 6 ربيع الثاني 1360 ه - 1942 م )

الحوزة العلمية النجفية والشيوعية :

خامسا : - وفي عام 1379 الهجري الموافق 1959 الميلادي وفي الرابع عشر من شهر تموز ثار عبد الكريم قاسم على النظام الملكي وأطاح به وأعلن العراق جمهورية وسمح لجميع الأحزاب بالنشاط والعمل فاستغل الشيوعيون هذه الحرية بنشر كتبهم والإعلان عن مبادئهم وإظهار عدائهم للأديان والمقدسات والرأسمالية والملكية وعاثوا في العراق فسادا وقتلا وسرقة وهتكا وكانوا يسرحون ويمرحون ويهزءون بالمبادي الإنسانية والقيم الربانية.

وقد ضاقت الصدور والقلوب منهم بعد استهتارهم بالدم والعرض والمال والقيم فصدر الفتوى التاريخي للإمام الحكيم بعد الاستفتاء منه حول الانتماء إلى الحزب الشيوعي حيث قال :

بسم اللّه الرحمن الرحيم

لا يجوز الانتماء إلى الحزب الشيوعي فإن ذلك كفر وإلحاد وترويج للكفر والإلحاد أعاذكم اللّه وجميع المسلمين من ذلك وزادكم إيمانا وتسليما والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته .

محسن الحكيم

17 شعبان 1379 ه

وبادر جميع العلماء العظام في النجف الأشرف لتأييده ، منهم : السيد عبد الهادي الشيرازي والسيد محمود الشاهرودي والسيد أبو القاسم الخوئي والسيد عبد اللّه الشيرازي والشيخ عبد الكريم الزنجاني والسيد جواد التبريزي والشيخ مرتضى آل ياسين والشيخ عبد الكريم الجزائري و . . .

وقد غيرت هذه الفتاوى وجه العراق وأخرجت الناس من الظلمات إلى النور وألحقت الهزيمة النكراء بالحزب الشيوعي في العراق .

نكسة حزيران والحوزة العلمية

سادسا : - وفي عام 1387 ه الموافق 1967 م حصلت نكسة في شهر حزيران على العرب والمسلمين من جراء اعتداء إسرائيل ومن ورائها أميركا على الأراضي العربية والإسلامية فاحتلت إسرائيل الضفة الغربية لنهر الأردن وفيها بيت المقدس الشريف وسيناء وغزة والجولان وضمّت كل تلك الأراضي الواسعة إلى دولتها في فلسطين المحتلة وكانت نكسة حزيران .

فبعث الرئيس عبد الرحمن عارف برقية إلى المرجع الإسلامي السيد الحكيم أذيعت عدة مرات في راديو بغداد حينذاك يشرح له فيها الاعتداء الصهيوني وخطره على الأمة فأجابه السيد الحكيم ببرقية جوابية أذيعت عدة مرات في راديو بغداد يعرب فيها السيد الإمام عن قلقه الكبير وتعاطفه مع المسلمين في تلك المحنة وأكد له فيها أن فلسطين إسلامية قبل أن تكون عربية ويجب أن تشيع هذه النظرية بين الناس بدلا من النزعة القومية عن طريق وسائل الإعلام . وكذلك بعث الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر برقية مماثلة إلى السيد الحكيم حول نفس القضية نشرت يومها في الصحف العراقية وأقام السيد الحكيم مجلس تأبين في جامع الهندي حضره كثير من المسؤولين منهم نائب رئيس الوزراء اللواء محي الدين عبد الحميد وأقام مجلسا آخرا المرحوم السيد الشاهرودي والسيد عبد اللّه الشيرازي وأقيم حفل آخر من قبل خطباء النجف الأشرف ووجهت جماعة علماء بغداد والكاظمية عدة نداءات إلى السكرتير العام المتحدة وإلى المنظمات والهيئات الدولية وكانت هذه البيانات تذاع من إذاعة وتلفزيون بغداد ويذيعها المرحوم الخطيب السيد هادي الحكيم . وبعدها تقرر إرسال وفد إسلامي عراقي لزيارة عواصم الدولة الإسلامية لشرح أخطار الاعتداء الإسرائيلي على الأمة الإسلامية وحشد وتجميع الطاقات الإسلامية كافة في هذه المحنة الخطيرة وقد بارك الإمام الحكيم وبقية زعماء الدين إرسال هذا الوفد وسافر إلى تركيا وإيران وأفغانستان وباكستان وأندونيسيا وماليزيا وسنغافورة وكان الوفد يضم الشهيد السعيد العلامة المجاهد الشيخ عبد العزيز البدري والشهيد المهندس

عبد الغني شندالة والمرحوم الدكتور الجليل السيد داود العطار والسيد عدنان البكاء وكان للوفد لقاءات واجتماعات مع الشخصيات الحكومية والإسلامية في البلدان التي زارها وكان أعضاء الوفد يقيمون الندوات والمحاضرات التي تتعلق بفلسطين لتعرف المسلمين في تلك البلدان بأن الأراضي المحتلة أراضي إسلامية استعمرها المستعمر البريطاني وأعطاها لقمة سائغة لليهود وجعلها وطنا لهم بموافقة جميع دول الاستكبار العالمي وكان لهذا الوفد الدور الكبير في رصّ الصفوف وتوحيد الكلمة وتعميق نظرية إسلامية فلسطين قبل عروبتها ففلسطين إسلامية قبل كونها عربية وأن المسلمين فتحوها ولهم فيها مقدسات مهمة مثل المسجد الأقصى .

حزب البعث والحوزة النجفية 

سابعا : - وفي عام 1388 الهجري الموافق 1970 الميلادي وفي أيام أربعين الإمام الحسين ( عليه السلام ) وفي خضم البرد القارص وهطول الأمطار قام حزب البعث الحاكم في العراق بإلقاء القبض على عدد كبير من العلماء وعدد لا يحصى من الإيرانيين الكسبة بحجة أن أصلهم إيراني علما أن أكثرهم يقيم في العراق وله ولادة مضاعفة ويحمل الجنسية العراقية لسنة 1947 م و 1957 م واستمر التسفير لعلماء الحوزة بين الحين والآخر وكان للإمام الحكيم والسيد الشهيد الصدر رضوان اللّه تعالى عليهما دور مشرف لا ينسى ، ضد هذه الهجمة الحقودة تجاه العلماء والحوزة وبهذه العملية أدخل الخوف والفزع في قلوب العلماء وأدخل القلق والاضطراب في الحوزة وخاصة أن الحكومة العراقية كانت تلقي القبض على غير الإيرانيين من الطلاب اللبنانيين والخليجيين أيضا بحجج واهية وإجبار الطلاب العراقيين على خدمة العلم لمدة سنتين وكل ذلك لأجل تصفية الحوزة من العلماء والهيمنة على موقع القيادة في المجتمع .

المصدر : كتاب مع علماء النجف الأشرف ، السيد محمد الغروي ، الجزء الثاني .

______

الهوامش :

(1) نقباء البشر 4 / 1175 .

(2) نقباء البشر 4 / 1636 .

(3) نقباء البشر 4 / 1526 ، 1527 .

(4) نقباء البشر 1 / 251 .

(5) نقباء البشر 4 / 1640 .

(6) نقباء البشر 3 / 1265 ، 1266 .

(7) نقباء البشر 4 / 1412 .

(8) نقباء البشر 1 / 75 .

(9) نقباء البشر 2 / 635 .

(10) نقباء البشر 2 / 720 .

(11) نقباء البشر 4 / 1557 ، 1558 .

(12) نقباء البشر 4 / 1415 .

(13) نقباء البشر 4 / 1447 .

(14) نقباء البشر 4 / 1510 .

(15) العراق بين الماضي والحاضر والمستقبل ، ص 864 .

(16) نقباء البشر 4 / 1427 .

(17) العراق بين الماضي والحاضر والمستقبل ، ص 884 .

قناتنا على التيليجرام

https://t.me/sadanajaf