بحث في توثيقات الشيخ المفيد في كتاب الإرشاد والرسالة العددية - آية الله السيد محمد رضا السيستاني (حفظه الله)
(المصدر: كتاب قبسات من علم الرجال، أبحاث السيد محمد رضا السيستاني (حفظه الله)، ج1 / ص 21 - 25 ).
فهنا أمران..
[ توثيقات الشيخ المفيد في كتاب الإرشاد ]
(الأمر الأول) (1) : أن الشيخ المفيد (قدس سره) قد وصف مجموعة من الرواة بأوصاف عالـية في موضعـين من كتاب الإرشاد..
الموضع الأول: في الفصل الخاص بذكر النص على الكاظم (عليه السلام) بالإمامة من أبيه الصادق (عليه السلام)، حيث قال (2) : (فممن روى صريح النص بالإمامة من أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) على ابنه أبي الحسن موسى (عليه السلام)، من شيوخ أصحاب أبي عبد الله وخاصته وبطانته، وثقاته الفقهاء الصالحين (رضوان الله عليهم) المفضل بن عمر الجعفي ومعاذ بن كثير وعبد الرحمن بن الحجاج والفيض بن المختار ومنصور بن حازم وعيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب وطاهر بن محمد ويعقوب السراج، وسليمان بن خالد، وصفوان الجمال، وغيرهم ممن يطول بذكرهم الكتاب..) ثم أورد روايات هؤلاء على ترتيب أسمائهم.
والملاحظ أن تلك الروايات هي كل ما أوردها الكليني (3) في كتاب الكافي في باب الإشارة والنص على أبي الحسن موسى (عليه السلام) بعد حذف المكرر منها.
الموضع الثاني: في الفصل الخاص بذكر النص على الرضا (عليه السلام) بالإمامة من أبيه الكاظم (عليه السلام) فقال (4) : (فممن روى النص على الرضا علي بن موسى (عليهما السلام) بالإمامة من أبيه والإشارة إليه منه بذلك من خاصته وثقاته وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته داود بن كثير الرقي ومحمد بن إسحاق بن عمار وعلي بن يقطين ونعيم القابوسي والحسين بن المختار وزياد بن مروان والمخزومي وداود بن سليمان ونصر بن قابوس وداود بن زربي ويزيد بن سليط ومحمد بن سنان)، ثم أورد روايات هؤلاء على ترتيب أسمائهم.
والملاحظ أن تلك الروايات هي أيضاً كل ما أورده الكليني (5) في الكافي في باب الإشارة والنص على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) بعد حذف المكرر منها.
ومن المؤكد في المجموعة الثانية أنه لا يمكن أن يوصفوا جميعاً بأنهم من خاصة الإمام (عليه السلام) وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته، فإن فيهم داود بن كثير الرقي الغالي الضعيف، وزياد بن مروان الواقفي الذي أنكر مبلغاً كبيراً على الإمام (عليه السلام)، والحسين بن المختار ومحمد بن إسحاق بن عمار اللذين قيل إنهما من الواقفة، وعبد الله بن الحارث المخزومي ــ وقد ذكر لقبه فقط ــ ونُعيم القابوسي وهما من المغمورين جداً. فكيف يصح أن يوصف هؤلاء جميعاً بما وصفهم به (قدس سره) ؟!
كما أن من المستبعد جداً في المجموعة الأولى أن يكونوا جميعاً من فقهاء الأصحاب ــ إن لم يستبعد كونهم جميعاً من ثقات الإمام (عليه السلام) وخاصته وبطانته ــ حيث إن عدد الفقهاء من أصحاب الأئمة (عليهم السلام) في كل طبقة كان محدوداً جداً كما يعرف ذلك بتتبع رجال النجاشي وإحصاء من وصفهم فيه بالفقاهة. فكيف اتفق أن كل من رووا عن الصادق (عليه السلام) النص على ولده الكاظم (عليه السلام) كانوا من الفقهاء؟ ولا سيما أنه لم يوصف من عدا منصور بن حازم وسليمان بن خالد منهم بالفقاهة في كلمات الرجاليين، بل إن بعضهم لا يُعرَف من هو كطاهر بن محمد وفي بعضهم كلام كالمفضل بن عمر الجعفي.
والذي يزيد الريب والشك في اتصاف المجموعتين بالأوصاف المذكورة في كلام المفيد (قدس سره) هو أن هؤلاء هم ــ كما مرّ ــ كل من أورد الكليني رواياتهم في البابين المذكورين، وهل من الصدفة أنه أورد في هذين البابين بالخصوص ــ دون الأبواب المشابهة المخصصة لإيراد النص على سائر الأئمة (عليهم السلام) ــ روايات من يتصفون بتلك الصفات العالية؟!
وفي ضوء ذلك يخطر بالبال أن ما ذكره (قدس سره) كان مبنياً على ضرب من التغليب، أو أن إطلاق تلك الأوصاف في حق بعض المذكورين إنما كان لبعض الدواعي الصحيحة غير كونهم متصفين بها واقعاً.
والحاصل: أنه يصعب البناء على أن التوثيقات المذكورة في كتاب الإرشاد كانت مسوقة لبيان الواقع بالنسبة إلى جميع المذكورين فيه، كما نبَّه على ذلك المحقق الشيخ محمد حفيد شيخنا الشهيد الثاني (قُدِّس سرُّهما) (6).
[توثيقات الشيخ المفيد في كتاب الرسالة العددية]
(الأمر الثاني) (7) : قال الشيخ المفيد (قدس سره) في رسالته في الرد على أصحاب القول بالعدد ما لفظه (8) : (وأما رواة الحديث بأن شهر رمضان شهر من شهور السنة يكون تسعة وعشرين يوماً، ويكون ثلاثين يوماً، فهم فقهاء أصحاب أبي جعفر محمد بن علي وأبي عبد الله جعفر بن محمد وأبي الحسن موسى بن جعفر وأبي الحسن علي بن موسى وأبي جعفر محمد بن علي وأبي الحسن علي بن محمد وأبي محمد الحسن بن علي بن محمد (صلوات الله عليهم) والأعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام، الذين لا يطعن عليهم ولا طريق إلى ذم واحد منهم، وهم أصحاب الأصول المدونة والمصنفات المشهورة، وكلهم قد أجمعوا نقلاً وعملاً على أن شهر رمضان يكون تسعة وعشرين يوماً، نقلوا ذلك عن أئمة الهدى (عليهم السلام) وعرفوه في عقيدتهم، واعتمدوه في ديانتهم. وقد فصّلت أحاديثهم بذلك في كتابي المعروف بـ(مصباح النور في علامات أوائل الشهور) وأنا أثبت من ذلك ما يدل على تفصيلها إن شاء الله).
ثم أورد (قدس سره) روايات عدد ممن أشار إليهم، وهم محمد بن مسلم ومحمد بن قيس وأبو الجارود وعمار بن موسى الساباطي وأبو أحمد عمر بن الربيع وأبو الصباح الكناني ومنصور بن حازم وعبد الله بن مسكان وزيد الشحام ويونس بن يعقوب وإسحاق بن جرير وجابر وأبو مخلد وابن أبي يعفور ومعاوية بن وهب وعبد السلام بن سالم وعبد الأعلى بن أعين وهارون بن حمزة الغنوي والفضيل بن عثمان وسماعة بن مهران وعبيد بن زرارة والفضل بن عبد الملك وحماد بن عثمان ويعقوب الأحمر.
ثم قال (قدس سره) : (وروى كرام الخثعمي وعيسى بن أبي منصور وقتيبة الأعشى وشعيب الحداد والفضيل بن يسار وأبو أيوب الخزاز وفطر بن عبد الملك وحبيب الجماعي وعمر بن مرداس ومحمد بن عبد الله بن الحسين ومحمد بن الفضيل الصيرفي وأبو علي بن راشد وعبيد الله بن علي الحلبي ومحمد بن علي الحلبي وعمران بن علي الحلبي وهشام بن الحكم وهشام بن سالم وعبد الأعلى بن أعين ويعقوب الأحمر وزيد بن يونس وعبد الله بن سنان ومعاوية بن وهب وعبد الله بن أبي يعفور في من لا يحصى كثرة مثل ذلك حرفاً بحرف وفي معناه وفحواه وفائدته).
أقول: لا ريب في أن معظم من عدّهم (طاب ثراه) هم من الثقات، ولكن يلاحظ أن فيهم جمعاً ممن رمي بالضعف والغلو ــ كمحمد بن الفضيل الصيرفي ــ أو نصّ على كونه مجهولاً ــ كأبي مخلد وهو الخياط بقرينة روايته عن الباقر (عليه السلام) دون السراج الذي روى عنه ابن أبي عمير ــ أو هو ممن لا ذكر له في شيء من كتب الرجال ولا في الأسانيد ــ كعمر بن مرداس وفطر بن عبد الملك وحبيب الجماعي ومحمد بن عبد الله بن الحسين إن لم يكن هو المدني الذي ذكره الشيخ في كتاب الرجال ــ.
وأيضاً فيهم جمع من أصحاب المذاهب الباطلة ككرام الخثعمي الذي كان واقفياً، وأبي الجارود الذي كان زيدياً، وعمار الساباطي وعبد الله بن بكير اللذين كانا من الفطحية، وسماعة بن مهران الذي عدّ من الواقفية.
وأيضاً فيهم بعض المخلطين كجابر وهو جابر بن يزيد الجعفي الذي حكى النجاشي (9) عن المفيد أنه كان ينشده أشعاراً له تدل على الاختلاط، وفيهم غير واحد ممن لم يكن صاحب كتاب كأبي علي بن راشد وعبد الأعلى بن أعين.
فكيف يصح أن يوصف هؤلاء كلهم بأنهم من (الأعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام الذين لا يطعن عليهم ولا طريق إلى ذم واحد منهم وهم أصحاب الأصول المدونة والتصنيفات المشهورة)؟!
ثم أليس من البعيد جداً أن يكون جميع من وصلت إليه (قدس سره) رواياتهم في نقصان شهر رمضان أحياناً ــ مما أوردها ومما لم يوردها وهي بأجمعها موجودة في كتاب التهذيب لتلميذه الشيخ قدس سره ــ قد اتصفوا بتلك الصفات العالية وحازوا تلك المزايا العظيمة التي قلّ من اتصف بها وحازها من أصحاب الأئمة (عليهم السلام) ؟!
مع أن مقتضى العادة ــ الذي لم نجد تخلفاً عنه في شيء من الموارد ــ أن تكون حال هذه المسألة حال سائر المسائل التي قد روى حكمها عن الأئمة (عليهم السلام) الثقة وغيره وصحيح المذهب وغيره والفقيه وغيره وصاحب الكتاب وغيره ووصلت إلى المتأخرين نماذج من روايات الجميع أو الأكثر.
أليس في ما ذكر كله قرينة واضحة وشاهد بيّنٌ على أن ما ذكره (قدس سره) كان مبنياً على ضرب من التغليب، وربما بغرض مزيد من التأكيد على بطلان القول بالعدد.
وبالجملة: يصعب جداً البناء على وثاقة من لم تثبث وثاقته بطريق آخر ــ كأبي الجارود ــ لمجرد ورود اسمه في العبارة المتقدمة للشيخ المفيد (قدس سره)، والله العالم.
(المصدر: كتاب قبسات من علم الرجال، أبحاث السيد محمد رضا السيستاني (حفظه الله)، ج1 / ص 21 - 25 ).
________
الهوامش
* العناوين المحصورة بين القوسين [ ] ليست في المصدر وإنما أضفناها لتيسير مراجعة البحث .
(1) بحوث في شرح مناسك الحج ج:11 (مخطوط).
(2) الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ج:2 ص:216.
(3) الكافي ج:1 ص:307.
(4) الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ج:2 ص:247ــ248.
(5) الكافي ج:1 ص:311.
(6) استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار ج:3 ص:295، 450.
(7) بحوث في شرح مناسك الحج ج:13 (مخطوط).
(8) جوابات أهل الموصل ص:25 وما بعدها.
(9) رجال النجاشي ص:128.