دورة في فن تحقيق المخطوطات / الدرس السادس / الشيخ قيس بهجت العطار |
المحاضر : الشيخ قيس بهجت العطار
المكان : مدرسة دار العلم / النجف الأشرف
الدرس السادس
سبق وان تكلمنا عن دقة تخريج النصوص ودقة كتابة الهوامش ، اما في هذا الدرس فنتكلم عن اهم المصادر التي تنفعنا في عملية التخريج وبعبارة اخرى ما هو الملاك الذي على ضوءه نختار مصادرنا في التخريج اذا كان النص متوفرا في اكثر من مصدر ، إجمالا هنا حيثيتان هما القِدَم وطبيعة تحقيق المصدر:
كيفية كتابة مصادر تخريج النصوص
1- المسألة المهمة هي ان يُعتمَد على المصادر المحققة من قبل محققين مشهود لهم بالفضل والحذق ، فاذا كان المصدر مطبوعا محققا عدة مرات فنختار اجودها تحقيقا فنقدم مثلا الطبعة المحققة على يد اكثر من محقق . لأن ذلك ينفع في ضبط النص الذي نريد تخريجه ومن المعيب ان يكون النص الذي تخرجه مضبوطا وتحيل على مصدر النص فيه ورد فيه غلط . (وذكر المحاضر هنا عددا من الامثلة لمصادر طبعت بتحقيق كثير الاغلاط فل يصح الرجوع الى هذه الطبعات منها ،للوقوف على الأمثلة راجع التسجيل) . واحيانا يُرجع المؤلف الى كتاب لن تجد فيه النص المذكور مطابقا تمام المطابقة مما يُحتمل معه ان المؤلف اعتمد على نسخة من المصدر الذي أحال اليه غير النسخة التي جُعِلت اصلا في المطبوع ففي هذه الحالة يجب الانتباه الى سائر النسخ والتي يذكرها محقق المصدر المطبوع في الهامش فهذه فائدة أخرى للتخريج من المصادر المحققة تحقيقاً جيدا . فاذا كان المصدر مطبوعا طبعة تجارية غير محققة يلزم الرجوع الى نسخه الخطية او الحجرية لعل بعضها يوافق ما نقله مؤلف الكتاب فبصورة عامة اذا لم تجد النص في النسخة المطبوعة من المصدر لزم مراجعة نسخه المخطوطة ما أمكن ذلك . وينبغي التنبيه ان اكثر برامج الكومبيتر في هذا المجال غير دقيقة لا يمكن الاعتماد عليها اعتمادا مطلقا في ضبط النص او في تخريجه من مصادره .
2- الاعتماد على المصادر طبق تأليف مؤلفها فمثلا نعتمد على كتاب العين للخليل والمسند لأحمد وغيرها من الكتب التي تم ترتيبها لاحقا لتسهيل الأمر على القراء ، الصحيح عند الاعتماد عليها في التخريج او غيره الاعتماد على نسخة الكتاب المرتبة طبق تأليف المؤلف نفسه مع توفرها . فترتيب هذه الكتب جهد مشكور ولكن المحقق المتقن لعمله يجب ان يرجع الى النسخة الموافقة لترتيب المؤلف لأنها الأصل وأيضا حفظا للأصل م الضياع والهجران مع العلم انه الأولى في الحفظ من غيره ، وأيضا لأن المؤلف احيانا يعيد عبارته في موطن آخر من كتابه بأدنى تفاوت وعادة يتم حذف العبارة الثانية من النسخة المرتبة لعدم عقلانية تكرار العبارة في سياق واحد بأدنى تفاوت الدقيقة فلعله المعد للنسخة ينقل عن مورد واحد من المصدر فقط . وايضا من الفوائد الجليلة للرجوع الى المصدر الأصل معرفة منهج المؤلف واسلوبه فمن ميزات المحقق الناجح ان يكون متعدد الثقافات .
3- الاستفادة من الطبعات القديمة عند احتمال الحذف والتحريف . فالطبعة القديمة مقدمة على غيرها حتى وان كانت الطبعة الحديثة اكثر اناقة .
4- تقديم الاقدم فالاقدم من المصادر في التخريج ، فأحيانا يكون تقديم الاقدم واجبا كما لو كنت في صدد تحقيق كتاب توفي مؤلفه في القرن الثامن مثلا فلا يصح تخريج نصوصه من مصادر لمؤلفين عاشوا في القرن العاشر مثلا ، بل يجب تخريجها من مصادر معاصرة للمؤلف او متقدمة عليه ، نعم بعد ذكر المصدر القديم لك اضافة الحديث من جهة الاشارة الى ان العلماء الاخرين قد تلقوا ههذا النص ورووه ايضا فيمكنك مراعاة هذه الحيثية ولكن يبقى كمحقق لابد من ان تذكر المصدر الأقدم اولا . اما اذا كانت المصادر التي تنقل النص قبل عصر المؤلف متعددة فهل يجب ذكرها بالترتيب الزمني ايضا ؟ الجواب : ترتيبها الاقدم فالاقدم أمر حسن ايضا تعتني به الكثير من مناهج التحقيق الحديثة ولكن قد لا تخدمنا هذه المسألة أحيانا كما اذا كان المؤلف ينقل النص ليس من مصدره الاصلي كما لو نقل نص الحديث من الوسائل او جواهر الكلام مع وجوده في احد الكتب الاربعة بتغيير بسيط عما في الوسائل فهنا تخرجه من الوسائل او الجواهر ومن ثم تذكر البواقي ، فالقاعدة أنه يُقدم الاقدم فالأقدم الا اذا وُجِد ما يرجح غير ذلك .
5- متى يصح الاعتماد على المراجع في التخريج وفي البداية هناك خلاف في تحديد الفرق بين المصددر والمرجع فقسم جعلوا المصدر ما كان في القرن الثامن وما قبله وقسم القرن العاشر وقسم ذهبوا الى غير ذلك والذي أراه ان المصدر هو ما كان أماً للنص والمرجع هو ما ينقل عن ذلك الكتاب الأم فالوسائل مثلا يعد مرجعا لانه ينقل عن الكتب الأربعة بينما تعد الكتب الاربعة مصادرا لانها تمثل الكتاب الأم للنص . فالكليني يُخْرِج النص بينما الوسائل يُخرِّج الحديث وهكذا كل ام للنص هو مصدر وان تأخر وكل ما نقل النص عن غيره هو مرجع وإن تقدم فهذا الضابط اهم وأفضل .
اما تخريج النص في التحقيق فنعتمد فيه على المصادر نعم قد نعتمد على المراجع في بعض الاحيان كما في مثال سبق بيانه بالنسبة لكتاب الوسائل في النقطة السابقة ، ومنها اذا كان المرجع ينقل النص عن مصدر والمصدر غير متوفر بين ايدينا او كان متوفرا ولم نعثر على النص فيه وفي هذه الاخيرة يتم تخريج النص من المرجع مع الاشارة الى عدم العثور عليه في النسخ المتوفرة من المصدر وهناك امثلة اخرى لهذا المورد ( راجع التسجيل) .الى هنا نكون قد انتهينا من الكلام حول تخريج النصوص . ثم نتكلم بعد ذلك في :
العلامات التي يكثر الاستفادة منها في تحقيق المخطوطات :
أولا- الفارزة او الواو المقلوبة (،) وتستعمل في الموارد الآتية :
1- بعد النداء غالبا ، فتوضع بعد الاسم المنادى نعم بعضهم يضع بعد المنادى علامة تعجب من جهة ان في النداء تنبيه يلفت النفس ويثير الدهشة فيها ولكن الاغلب يضعون الفارزة وهو الأرجح . مثل: ياعلي، حربك حربي .
2- عند ترابط الجمل ، فإذا تم معنى الجملة ولكنها مرتبطة بما بعدها فلم ينته معنى الكلام فيجب حينها وضع الفارزة
3- عند التعداد بين المعدودات وكذلك بين الاقسام في موارد التقسيم . هذه أهم الموارد والا فان الفارزة تستخدم في موارد كثيرة .واقدم نسخة استعملت فيها الفارزة هي نسخة رآها ابن حجر في القرن الاسع اما القدماء فإما ان يهملونها او يضعون بدلها دوائر صغيرة كتلك التي يضعها القدماء بين مقاطع السجع .
ثانيا: الفارزة المنقوطة من تحت (؛) تستعمل في :
التعليل وشبه التعليل فتوضع قبل ذكر السبب او ما يشابهه ، وأما التعليل فهو واضح وأما شبه التعليل فهو ما خلا من أدوات التعليل فلا يقول مثلا (لأن) وانما يقول مثلا ( ... حيث إنَّ ...) ( ... إذ أن..) او ( .. وذلك أن ..)
ثالثا: النقطة (.) وتستعمل عند انتهاء المقطع الكلامي باستيفاء المعنى وارادة الشروع بكلام جديد .
رابعا: ثلاثة نقاط ( ... ) دلالة على وجود السقط أو الحذف . وبعضهم ذا زاد السقط يضع نقاطا بقدره فاذا كان الساقط سطرا مثلا يضع سطرا من النقاط وإذا كان صفحة فصفحة ويشير في الهامش الى انه ساقط في الاصل ليرشد القارىء الى كم النص الساقط فكل ثلاثة نقط تحتسب كلمة ، وهكذا يخمِّن الساقط ولكنه غير صحيح ؛ لانه ليس بذي جدوى فالصحيح ان تضع ثلاث نقاط فقط وتسجل في الهامش ( سقط في الاصل او في (ب) بمقدار ثلاث كلمات او سطر وهكذا علما بان السطر يسمونه بيتا فإذا قيل له كتاب يقع في الف بيت معناه يقع في الف سطر )
خامسا: النقطتان ( .. ) هذه اشارة الى وجود كلان لن يأت به المحقق او المؤلف لم يأت به فمثلا يذطر محل الشاهد من الحديث ثم يضع نقطتان فقط ثم يكتب كلمة (الحديث) للدلالة على انه يوجد تتمة للحديث لم يأت بها . نعم بعضهم يضع هنا ثلاث نقاط ايضا ولكن الصحيح في فن التحقيق وضع نقطتان فقط .