تكفير السيئات و الضابطة في قسمة المعاصي إلى صغائر وكبائر : تقرير بحث آية الله السيد محمد رضا السيستاني دام ظله
تنقسم المعاصي إلى كبائر وصغائر ، وقد اختلف الفقهاء ( رضوان الله عليهم ) في ان هذا التقسيم إضافي أم حقيقي فذهب بعضهم كالشيخ المفيد والشيخ الطوسي في العدة والعلّامة الطبرسيّ إلى كونه إضافيّاً على أساس أنَّ كلَّ معصية بالقياس إلى ما دونها كبيرة إذ أنَّها هتكٌ لحرم الله وتمرد عليه .
ولكن الظاهر من الآيات المباركة والأحاديث الشريفة ان التقسيم المذكور حقيقيّ فمن الآيات قوله تعالى : " إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ "(1) ومن الروايات قوله عليه السلام في معتبرة ابن أبي عمير : " من اجتنب الكبائر من المؤمنين لم يُسأل عن الصغائر"(2) فالمستفاد من الآية الكريمة والرواية الشريفة ونحوهما من الآيات والروايات أنَّ المعاصي على قسمين : فهناك مجموعة من المعاصي تشترك في درجة عالية من المفسدة ، أو ضياع درجة عالية من المصلحة ، وهي التي تسمى بالكبائر ؛ ويقابلها مجموعة أخرى لا تكون بتلك المثابة وتسمى بالصغائر ، وان اختلفت أفراد كل قسم في درجة الأهميّة ، كما يشير إلى ذلك بعض الروايات كخبر محمد بن مسلم (3) عن أبي عبد الله عليه السلام سأله : أيُّ شيءٍ الكبائر ؟ فقال عليه السلام : " أكبر الكبائر: الشرك ، وعقوق الوالدين " ، وخبر أبي الصامت عن أبي عبد الله عليه السلام قال : " أكبر الكبائر سبع: الشرك بالله العظيم ، وقتل النفس التي حرَّم الله عز وجل إلا بالحقّ ، وأكل أموال اليتامى .. " (4) حيث يُستفاد من هاتين الروايتين أنَّ الكبائر تتفاوت فيما بينها في الدرجة ، وبعضها اكبر من بعض ، وليست كلها على نسق واحد .
وكيف كان فالتفريق بين الكبائر والصغائر يُتعرَّض له في موردين :
[ موارد التعرُّض لبحث الفرق بين الكبائر والصغائر ]
1- باب العدالة ، حيث ذهب جمعٌ من الفقهاء – ونُسِب إلى المشهور – أنَّ المعتَبر في العدالة هو الاجتناب عن الكبائر ، واستدل بعضهم على ذلك بعدة روايات منها روايةٌ لابن أبي يعفور (5). وفي قبال هؤلاء من قالوا : أنَّ العدالة هي الاستقامة في جادّة الشريعة ، وينافيها ارتكاب أيّ حرام وترك أيّ واجب ، والبحث في ذلك موكول إلى محله .
2- باب استحقاق العقوبة ، حيث مرّ أنَّ مقتضى الآية الكريمة والروايات الشريفة التي منها صحيحة ابن أبي عمير المتقدّمة أنَّ اجتناب الكبائر يُعدُّ من المكفِّرات للصغائر ، كما يُعدُّ أيضاً من المكفِّرات : التوبة وشفاعة النبيّ (صلى الله عليه واله) وأهل بيته (عليهم السلام) ومن ثبت لهم حقّ الشفاعة من غيرهم . والشفاعة تعمّ الصغائر والكبائر كما نصّت على ذلك الروايات ، فبذلك تختلف عن اجتناب الكبائر الذي لا يُكفِّر إلّا عن الصغائر .
[ إشكال التخفيف من زاجريّة النهي عن الصغائر وجوابه ]
ولكن ربما يُطرح في المقام سؤال ، وهو : ان الداعي للنهي عن الشيء سواء كان من الكبائر أو الصغائر ليس إلّا إيجاد الزاجر بالإمكان في نفس المكلّف عن ارتكابه ، وقوام الزاجريّة بالوعيد على الفعل ، فوعد المكلّف بعدم معاقبته على المخالفة في مورد الصغائر إذا اجتنب عن الكبائر يخفّف زاجريّة النهي عن الصغائر ، ويفتح المجال أمام المكلف ليرتكبها ، وهو قد يتنافى مع المقصود من توجيه النهي وخلاف الحكمة في تشريعه ، فما هو الوجه في ذلك ؟
والذي يبدو لي في الجواب عن ذلك وجهان :
الأوّل : إنَّ تخفيف الزاجريّة في النهي عن الصغائر – ان وُجد حقيقةً – فهو على حساب رفع مستوى الإنزجار من ارتكاب الكبائر في نفوس المكلّفين ، حيث أنَّ المكلّف إذا عرف أنَّ اجتنابه عن الكبائر سيمنحه الحصانة من العقوبة الحاصلة بارتكابه الصغائر يكون ذلك أدعى له إلى ترك الكبيرة .
والأهميّة القصوى التي تحظى بها الواجبات والمحرمات التي يُعدُّ عصيانها من الكبائر اقتضت جملة أمور :
منها : مزيد الاهتمام بها في مرحلة التبليغ حيث يُلاحَظ أنَّها ذُكرت كلّها أو جلّها في القرآن المجيد ، وجرى التأكيد عليها بشكل موسّع على لسان النبي (صلى الله عليه واله) والأئمة (عليهم السلام) ، فالفرق بين الصغائر والكبائر في مستوى التبليغ واضح .
ومنها : إنَّ العقاب المقرّر على عصيان الكبائر أشدّ وأعظم من عقاب غيرها .
ومنها : استخدام أساليب خاصّة في الزجر عن ارتكاب الكبائر ، حيث يكون لها وقع أكبر في نفوس المكلفين .
ومثال ذلك أكل أموال اليتامى – المعدود من الكبائر في معظم الروايات – حيث يُلاحَظ أنَّ الله تبارك وتعالى عبَّر عن حرمته بقوله عز وجل (6): " إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا" ، ولهذا التعبير أثرٌ إحساسي كبير كما لا يخفى .
وكذلك في مورد الربا حيث قال عز وجل (7): " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ " فإنَّ كون آكل الربا في حربٍ مع الله ورسوله له الأثر البالغ في الانزجار عنه .
ومنها : - كما هو مقتضى الأدلّة المتقدّمة – وعد الله الكلّفين بالعفو عن صغائر الذنوب إذا كفّوا أنفسهم عن ارتكاب الكبائر .
فهذا كله يأتي في إطار تفعيل زاجرية النهي عن الكبائر ، أي إنَّ الحكمة الإلهية التي تستند إلى رعاية المصالح والمفاسد اقتضت إعمال هذا الأسلوب في محاولة ردع الكلف عن ارتكاب الكبيرة ، فالحكمة فيما يُدَّعى أنَّه يؤدي إلى تخفيف زاجرية النهي عن الصغائر هي ازدياد الانزجار عن الكبائر مراعاة لأهميتها القصوى .
إذن الوعد بالتجاوز عن الصغائر مع اجتناب الكبائر يأتي انسجاما مع هذه الحكمة . فلو سُلِّم أنَّه يفتح للمكلّف باب ارتكاب الصغائر لم يكن فيه ضير ، بلحاظ أنَّه يؤدي إلى إحكام غلق باب ارتكاب الكبيرة .
وبالجملة اجتناب الكبيرة مطلوب ولو على حساب ارتكاب الصغيرة .
الثاني : ان وعد الله سبحانه وتعالى بالتجاوز عن الصغائر مع اجتناب الكبائر لا ينبغي ان يُجَرِّأ المكلّف على ارتكاب الصغيرة وذلك لأنَّه ليس بمأمن من ارتكاب الكبيرة في مستقبل أيّامه فإنَّ النفس لأمارة بالسوء إلّا من رحمه الله تبارك وتعالى . فأنَّى يتيسّر للمكلّف أن يثق من نفسه بعدم ارتكاب شيء من الكبائر في مستقبل أيّامه وفي باقي عمره حتى يسمح لنفسه بارتكاب الصغيرة اعتماداً على الوعد الإلهي بالتجاوز عنها .
لا سيّما أنَّ قائمة الكبائر تشتمل على الكثير من المعاصي التي لا ينجو منها إلا الأوحدي من الناس في طول عمره من أمثال الغِيبة و الكذب و الإسراف والتبذير وحبس الحقوق من غير عُسر ونحوها .
وبالجملة فان الوعد المذكور لا ينبغي – لمن ينظر بعين البصيرة ويتحسّب لعواقب الأمور - أن يخفّف من زاجريّة النهي عن الصغائر في نفسه ، بل يلزم أن يبقى خائفا من ارتكاب الصغيرة لاحتمال ابتلائه في يوم من الأيام بشيءٍ من الكبائر ، فلا يشمله الوعد الإلهي بالتجاوز عمّا ارتكبه من الصغائر .
وعلى هذا يتضح أنَّ الوعد المذكور إذا لوحظ في جنب عدم إمكان الوثوق بالنفس بعدم ارتكابها شيئا من الكبائر إلى اخر العمر من حيث كونها أمّارة بالسوء ليس له تأثير في تخفيف زاجرية النهي عن الصغائر .
هذا ما خطر بالبال في الإجابة عن السؤال المذكور .
ولكن يستفاد من العلامة الطباطبائي قدس سره (8) الجواب عنه بوجهين آخرين أحدهما نقضيّ والآخر حَليّ :
فأفاد في الجواب الحَلي قائلاً : " ارتكاب الصغيرة من جهة أنّها صغيرة لا يُعبأ بها ويُتهاون في أمرها يعود مصداقاً من مصاديق الطغيان والاستهانة بأمر الله سبحانه ، وهذا من أكبر الكبائر بل الآية تَعِدُ تكفير السيئات من جهة أنها سيئات لا يخلو الإنسان المخلوق على الضعف المبني على الجهالة من ارتكابها بغلبة الجهل والهوى عليه " ، أي أنَّ الوعد بالتجاوز عن السيئات إنَّما هو في مورد ارتكابها جهالةً من باب الانسياق وراء الهوى وغلبته على المكلف ، ولا يشمل مورد ارتكابها استصغاراً لشأنها . وإلّا فإنَّ هذا يُعدُّ من الكبائر و قد ورد في كلامٍ لمولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) (9) : " أشدُّ الذنوب ما استخفَّ به صاحبه " .
وأفاد في الجواب النقضيّ قائلاً : " مساق هذه الآية مساق الآية الداعية إلى التوبة التي تَعِدُ غفران الذنوب .. فكما لا يصح أن يُقال هناك : إنَّ الآية تغري إلى المعصية بفتح باب التوبة .. فكذا ههنا " .
ويلاحَظ على ما أفاده في الجوابين :
أمّا الجواب الحَليّ فبأنَّ مورد الكلام في فتح المجال لارتكاب الصغيرة إنَّما هو فيما إذا كان ارتكابها اعتماداً على الوعد الإلهيّ بالتجاوز عنها إذا اجتنب عن الكبيرة ، لا في مورد استصغار الذنب والاستهانة به . والفرق شاسع بين الأمرين ، فإنَّ من يستهين بارتكاب صغيرة يقع في كبيرة من الكبائر ، وليس هذا محلاً للكلام ، وإنّما كلامنا في من يعترف أنَّ هذه الصغيرة ذنبٌ ، و العقوبة الإلهيّة صارمة على كلّ حال ، وهي أمرٌ كبير وغير قابلة للتحمل ، ولكن يعتمد على الوعد الإلهي بالعفو عنها مع اجتناب الكبائر .
وأمَّا الجواب النقضيّ فبأنَّ القياس مع الفارق ، أي لا يصح قياس التوبة بما نحن فيه ، لأنَّ الوعد الإلهي بتكفير الصغائر في مورد كلامنا ليس منوطاً إلّا بشيءٍ واحد وهو اجتناب الكبائر ، وأمّا في مورد فتح باب التوبة فالأمر مشروط بأمر آخر ، فقد قال تعالى (10): " إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ.. " ويُستفاد منه وجود شرطين لقبول التوبة :
الأوَّل : أن يكون ارتكاب المعصية عن جهالة ، والمراد بها الانسياق وراء الهوى ، كالقوّة الشهويّة والغضبيّة إذا سيطرت على الشخص . ولا يشمل مورد من يخطط لارتكاب المعصية ، ومن ثم للتوبة لمحو آثار ارتكابها ، فإنّ صدور المعصية ممن هذا تفكيره لا يكون عن جهالة ، بل عن خباثة ، فهو غير مشمول لمورد الآية الكريمة .
الثاني : أن تكون التوبة حقيقية ، وهو يحصل بالندم الحقيقي ، ومن يفكّر بأنَّه يعصي و من ثمّ يتوب كيف يثق من نفسه أنَّ توبته لاحقاً تكون مع الندم الحقيقيّ . بل إنَّ من يخطط هكذا لا يكون ندمه ندماً حقيقياً عادةً . نعم يمكن أن يحصل له ذلك إذا طرأ تحوُّل حقيقيٌ في حياته .
وبالجملة هناك فرق كبير بين مورد التوبة ومورد الوعد الإلهي بالتجاوز عن الصغيرة باجتناب الكبائر ، فما أفاده قدس سره ليس بواضح .
[ الضابط في كون المعصية من الكبائر ]
يبقى الكلام في : ما هو الضابط لكون المعصية من الكبائر ، فإنَّ هناك أمورا ذكرها أهل البيت عليهم السلام في عداد الذنوب الكبيرة – على اختلاف الروايات في عددها – منها الشرك بالله ، واليأس من روح الله ، والأمن من مكر الله ، و عقوق الوالدين ، وقتل النفس المحرَّمة ، وأكل مال اليتيم ، والفرار من الزحف ، وأكل الربا ، وغيرها .
وقد ورد تعريف الكبيرة في جملة من النصوص بما أوعد الله عليه النار ، منها روايات ، محمد بن الفضيل (11) وعباد بن كثير النوا (12) وأحمد بن عمر الحلبي (13) وعبد الله بن أبي يعفور (14)
وورد تعريفها في بعض الروايات الأخرى بما أوجب الله عليه النار ، كما في روايات الحلبي (15) و أبي بصير(16) ومحمد بن مسلم (17) وعبيد بن زرارة (18). والظاهر أنَّ المقصود واحد .
فعلى هذا فالمناط في كون المعصية من الكبائر – إذا لم يَرِد النص فيها على ذلك بالخصوص – هو ورود الوعيد عليها بالنار ، فإذا لم يرد فيها الوعيد بها كانت من الصغائر إلّا إذا ثبت كونها أكبر من بعض ما ورد التنصيص على كونه من الكبائر أو من بعض ما هو مشمول للتعريف المذكور .
هذا ولكن ذكر السيد الطباطبائي قدس سره (19) أنَّ التعريف المذكور ليس منعكساً ، أي أنَّ الكبيرة هي ما أوعد الله عليها النار ، وأمّا ما لم نجد عليه الوعيد بالنار فليس بالضرورة أن يكون من الصغائر .
ولم يظهر الوجه فيما أفاده ، وذلك لأنَّ الإمام (عليه السلام) قد سُئل عن الكبائر ، فأجاب ببيان الضابط المذكور ، أي ما أوعد الله عليها النار ، وحيث أنَّه (عليه السلام) كان في مقام التحديد فلا محالة ينعقد لكلامه ظهور في المفهوم ، وهو: إنَّ ما لم يَعِد الله عليه بالنار فليس هو من الكبائر ، فالتعريف المذكور مطرد ومنعكس معاً .
تبقى الإشارة إلى أنَّ الفقهاء (رضوان الله عليهم) قد اختلفوا في اعتبار ورود الوعيد بالنار على المعصية في خصوص القرآن المجيد أو الاكتفاء بوروده ولو في السُنّة . وقد ذكر كِلا الوجهين الشيخ الأكبر كاشف الغطاء قدس سره (20)، ولكن ظاهر المحقّق الملّا صالح المازندراني قدس سره (21) أنّ الكبائر خصوص ما أوعد الله عليها النار في القرآن ، وهذا هو الأقرب في النظر كما سيأتي .
تكميل : يمكن أن يتوهَّم عدم شمول الكبائر لترك الواجبات ، بل هي مختصّة بفعل المحرَّمات ، وذلك لاختصاص الآية الكريمة : " إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ " بالمنهي عنه .
ويمكن أن يُجاب عن ذلك بأنَّ ترك الصلاة أيضا قد ورد النهي عنه في جملةٍ من النصوص كما في رواية القداح (22) عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل طلب النصيحة من رسول الله (صلى الله عليه واله) فقال له (صلى الله عليه واله) : " لا تدع الصلاة متعمداً ، فإنَّ من تركها متعمداً فقد برئت منه ملّة الإسلام " .
ولكن هذا الجواب ليس بشيءٍ فإنَّ النهي المذكور ليس حقيقياً بل صورياً حيث أنَّ الحكم الثابت في مورد الصلاة هو وجوب فعلها ، والجمع بين وجوب الفعل وتحريم تركه لغوٌ ، لا يصدر من الحكيم . لأنَّ الأمر إنشاءٌ بداعي إيجاد الداعي بالإمكان في نفس المكلّف إلى فعل الشيء ، و يشتمل على الوعيد على الترك . فمع صدوره من المولى لا مبرر لإنشاءٍ آخر بداعي إيجاد الزاجر بالإمكان في نفس المكلف بالنسبة للترك مع الوعيد على المخالفة.
والحاصل: إنَّ الحكم القانوني الشرعيّ في كلّ موردٍ لا يكون إلّا واحداً أمّا الوجوب أو الحرمة ، وأمّا الآخر فيكون تعبيراً أدبياً لا حكماً قانونياً ، وعلى ذلك فلا يكون النهي عن ترك الصلاة نهياً حقيقياً ، لأنَّ الحكم المتعلّق بالصلاة هو الوجوب ، فليس تركها منهياً عنه حقيقةً ليندرج في الآية المباركة .
هذا ولكن لو سُلِّم أنَّ الآية المباركة المذكورة لا تشمل موارد النهي غير الحقيقي ، إلّا أنَّ قوله تعالى : " كَبَائِرَ الْإثْمِ " يشملها حيث إنَّ الإثم أعمُّ من ترك الواجب وفعل الحرام . فإذا كان هناك وعدٌ بالنار على ترك واجب يكون في عداد الكبائر ، مثل الزكاة التي ورد فيها قول الله تعالى (23) : " وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ " فيكون ترك الزكاة من الكبائر ، وقد نصَّت على ذلك معتبرةُ عبد العظيم الحسنيّ (24) رضوان الله تعالى عليه حيث ذكر الإمام عليه السلام ترك الزكاة الفريضة في عدادها .
وبالجملة إن ترك الواجبات كفعل المحرَّمات من الكبائر إذا كان مما أوعد الله عليه بالنار ولا فرق بينهما من هذه الجهة .
المصدر :
كتاب : بحوث في شرح مناسك الحج
تقرير لأبحاث آية الله السيد محمد رضا السيستاني دام ظله ، بقلم : أمجد رياض ونزار يوسف .
نسخة ورقية محدودة التداول صادرة عن دار البذرة ، 1431 .
ج1 ، ص 66 69 .
الهوامش
_____
[1] - النساء / 31 .
[2] - التوحيد ، ص 204 .
[3] - الخصال ، ص 411 .
[4] - تهذيب الأحكام ، ج4 ، ص 150 .
[5] - تهذيب الأحكام ، ج6 ، ص 241 .
[6] - النساء / 10 .
[7] - البقرة / 278 – 279 .
[8] - الميزان في تفسير القرآن ، ج4 ، ص 325.
[9] - نهج البلاغة ، ج 4 ، ص110 .
[10] - النساء / 17 .
[11] - ثواب الأعمال وعقاب الأعمال ، ص 130 .
[12] - م ن ، ص 233 ؛ تفسير العياشي ، ص239 .
[13] - ثواب الأعمال وعقاب الأعمال ، ص130 .
[14] - تهذيب الأحكام ، ج6 ، ص241 .
[15] - الكافي ، ج2 ، ص276 .
[16] - م ن ، ص284 .
[17] - م ن ، ص 277 .
[18] - علل الشرائع ، ج2 ، ص 475 .
[19] - الميزان في تفسير القرآن ، ج4 ، ص326 .
[20] - كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء ، ج1 ، ص267 .
[21] - شرح اصول الكافي ، ج9 ، ص244 .
[22] - الكافي ، ج3 ، ص488 .
[23] - التوبة / 34 .
[24] - الكافي ، ج2 ، ص285 – 287 ؛ من لا يحضره الفقيه ، ج3 ، ص367 – 369 .
ملاحظة : العناوين التي بين القوسين المزدوجين [ ] أضفناها لتسهيل مراجعة البحث وليست في المصدر.
ليصلك جديد المدونة اشترك في قناتنا على التيليكرام