القائمة الرئيسية

الصفحات

بلاغة وفصاحة القرآن الكريم | السيد محمد باقر السيستاني ( دام ظله)

بلاغة القرآن الكريم | السيد محمد باقر السيستاني ( دام ظله)

 بلاغة القرآن الكريم | السيد محمد باقر السيستاني ( دام ظله)

الأمر السابع: أنّ القرآن الكريم كلامٌ في غاية الفصاحة والبلاغة..

[ معنى الفصاحة ]

أمّا الفصاحة: فتعني اختيار الألفاظ والتراكيب الراقية والسهلة في اللّغة.. فإنّ للألفاظ والتراكيب اللغوية في كل لغة مستويات مختلفة من الفصاحة وخلافها، كما هو معروفٌ في اللّغة العربيّة وكثير من اللغات الأخرى - ولعلَّها ظاهرة تعمُّ جميع اللغات -، وينشأ ذلك عن التناسق الصوتيّ للكلمة وجمالها، ويُسرها وانسجامها، والوَقع الصوتيّ المناسب لها، وسلامة الكلمة أو التركيب عن التأثّر باللغات الأخرى التي تبتني على ذوقيّات مختلفة عن الذوق الذي تبتني عليه اللغة المفترضة.

وكانت قبائل العرب تختلف في سلامة اللغة وفصاحتها، وتوصَف قبيلة قریش بأنَّها أفصح العرب؛ إذ كانت قاطنةً بمكّة المكرّمة - وهي آنذاك بمثابة عاصمة الجزيرة العربيّة، والعاصمة عادة تكون لغتها ولهجتها أجمل وأسلم من لهجة بقيّة المدن المحيطة بها، وهي ظاهرة معروفة ومشهودة في العديد من البلاد كالعراق وإيران -، ومن الملحوظ خلوّ لغة قريش عن لكنات لغويّة كانت لدى قبائل عربيّة أخرى؛ حيث لم تكن تستطيع النطق ببعض الحروف، وهي موصوفة بعض الشيء في مثل كتاب (المزهر في علوم اللغة وأنواعها) للسيوطي.

لكن مع ذلك يبدو أنّ أهل البوادي المحيطة بمكّة المكرّمة كانوا أفصح من قريش القاطنين فيها؛ ومن ثمَّ جاء في تاريخ حياة النبي (ص) قبل البعثة: أنَّ عبد المطّلب (ع) بعد وفاة والد النبيّ (ص) عهد به إلى البادية لكي ينشأ فصيحاً.

وربّما كان تنزّل مستوى الفصاحة لدى قريش بعض الشيء في مكّة المكرّمة نفسها بالمقارنة مع البوادي المحيطة بها، باعتبار اختلاط القبائل العربية مع قريش في زيارتها ووفودها للبيت، وكانت العديد منها ذات أذواق لغويّة أدنى.

[ معنى البلاغة وتقسيمها إلى بلاغة أدبيّة وبلاغة فكريّة ]

وأمّا البلاغة: فهي تنحلّ إلى جزأين : البلاغة الأدبيّة، والبلاغة الفكريّة(1).

أمّا البلاغة الأدبيّة فالمراد بها: اختيار الأسلوب الملائم للكلام في تجسيد المعنى والتأثير المناسب على المخاطَبين برعاية أمرين:

١- اختيار الألفاظ الفصيحة، وملائمة ما يُنتقى منها من خلال وقعه الصوتيّ وإيحاءاته المعنويّة مع اتّجاه الكلام وغايته من التأثير الملائم في المخاطَب، مثل: التهويل، والتفخيم، والاستعظام، والإنكار ونحوها. وهناك ألفاظ ذات نبرات صوتيّة يمكن أن ينفخ فيها المرء عند نطقه بها بما يساعد على تحقيق التأثير المطلوب في الكلام، وهناك نبرات صوتية مزدوجة؛ بمعنى أنَّها تنفخ في المعنى في اتّجاه الكلام أيّاً كان، كما قالوا إنَّ التنوين قد يَرِدُ للتعظيم، كما في تنوین (نبأ) في قوله تعالى(2): { إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ } ، وقوله سبحانه (۳): { وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ } ، وقد يَرِدُ للتحقير والاستصغار، کما في: (مررتُ برجلٍ لئيمٍ).

2- اختيار الأساليب الأدبيّة الرائعة والمؤثّرة بأنواعها الثلاثة المذكورة في علوم البلاغة.. .

ففي علم المعاني: يبيّن كيفيّة سَوق المعنى بشكلٍ اعتيادي أو بنحوٍ مؤكّد، والاختيار المناسب للأساليب الخبريّة والإنشائيّة، وكيفية الترتيب بين المعاني، وأدوات الفصل والوصل، والإطناب والإيجاز حسب اقتضاء المقام.

وفي علم البيان: يبيِّن كيفية عَرض المعنى عَرضاً مجرداً تارة، و مقروناً بالتشبية الصريح أو المضمر، أو على نحو الاستعارة والمجاز المرسل والكناية بأنواعها.

وفي علم البديع: يبيِّن كيفيّة تَناسب الألفاظ في التركيب، من قبيل وزن الجملة وسجعها وسائر وجوه التناسب بين الألفاظ، على أن يكون ذلك مسترسلا غير متكلّف.

والإنسان عموما يتمتع بدرجة من الشعور بالجمال البلاغي للكلام، إلّا أنّ هناك من يتميّز في هذا الذوق بالفطرة أو بالتنمية بحيث يستطيع من صناعة الكلام البليغ، وهناك من يتميّز بدرجة يستطيع أن يميّز رقيّ الكلام ومزاياه وإن لم يستطع من صناعته وتوليده، نظير من يعرف الخط الحسن ولكن لا يستطيع أن يمارسه، وهناك من هو أقلّ تمييزاً بين مراتب الكلام البليغ والعادي، فالناس متفاوتون في ذلك.

وأمّا البلاغة الفكريّة فالمراد بها: القدرة على تصريف المعاني، وقَرن الأمثال، وربط الظواهر، واستنباط الفكرة العامّة، والأداء الوافي للحجج؛ بما يُمثّل مقدرة على تصريف المعاني وسعة الأفق في التعامل معها.. فهذا كلّه يدخل في البلاغة في إطلاقها عند العرب.

فالبلاغة عندهم لم تكن تعني مجرد الأسلوب الأدبي في التعبير والأداء؛ بل كانت تتضمَّن جوانب فكريّة تتعلق بكيفيّة ترتيب الفكرة في نفسها، وتعني المقدرة على تصريف المعاني وانتزاع الفكرة العامّة واستنباط الحجج واستنطاق الأشياء، فهذه قدرات تندرج في المنظور بالبلاغة. ومن ثمّ سمّى الشريف الرضيّ مجموع کلمات الإمام أمير المؤمنين (ع) بـ (نهج البلاغة) فهو لم يعني بذلك الجوانب التعبيريّة المحضة، بل جوانب فكريّة تتمثّل فيها.

ومن ذلك اللحن في بيان الحجّة، كما قال النبي (ص) في شأن القضاء (4): ((إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان، وبعضكم ألحَن بحجّته من بعضٍ؛ فأيّما رجلٍ قطعتُ له من مال أخيه شيئاً فإنَّما قطعتُ له به قطعة من النار)).

[ إعجاز بلاغة القرآن الكريم ]

ولا شكّ تاريخياً أنّ القرآن الكريم كان غاية في البلاغة بمستوى يتميّز عن كلام العرب في المقدرة الأدبيّة وفي صياغة الكلام بفاصل كبير، وتلك بديهة تاريخيّة في تاريخ الأدب العربي منذ الإسلام - وهو تاریخ محفوظ ومدوّن إلى حدٍ كبير -.

فقد كان النصّ القرآني منذ إنشائه نصّاً أدبيّاً متميزاّ في اللغة العربية، حتى أنّ العرب - الذين كانوا يفخرون بالبلاغة ويتنافسون فيها، حتّى جاء أنَّهم كانوا يعقدون الأسواق والندوات الأدبيّة ويعلّقون القصائد المتميّزة كالمعلقات السبع في الكعبة - فوجئوا بالكلام القرآني، ولم يستطيعوا أن يجابهوا تحدّي هذا الكلام.

ومن ثمّ قالوا عن النبيّ (ص) إنّه شاعر؛ لكنّهم كانوا يعلمون أنّ القرآن الكريم أرقى من أشعارهم وأرفع منها، وإلّا لَاستطاعوا - وهم يقتدرون على الشعر - أن يأتوا بمثله.

وبذلك كان القرآن الكريم عماد انتشار الإسلام في الجزيرة بعد أن تمكّن من إفحام المشركين العرب في نقطة قوتهم ومباهاتهم، وأثبت عجزهم عن مضاهاته ومجاراته في أدائه المتميّز .

ولو أنّ العرب استطاعوا أن يستجيبوا لتحدي القرآن الكريم وينشئوا کلاماً مثله لم تنهض الحجّة القرآنيّة نهوضها المشهود، ولم يمكن انتشار الإسلام على نحو ما وقع مهما كانت حججه العقلانيّة والوجدانيّة؛ لأنّ الحجج الأدبيّة والخطابيّة وطرق التهويل الكلامي في المجتمع الأدبي يهيمن على المنطق وعلى الموضوعيّة في التفكير والتأمّل.

لقد كان القرآن الكريم هو الحجّة البارزة والأساس التي ارتكز عليها النبيّ (ص) في إثبات صدقه و حقانيّته لقومه ولسائر العرب؛ إذ من المعلوم أنّ النبيّ (ص) لم يطرح للعرب الإتيان بمعاجز على حدِّ معاجز عیسی (ع)؛ ومن ثمّ لم يَرِد عنه في القرآن الكريم أنّه قال كقول عیسی (عليه السلام): { أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ }(5)، كما لم يأتِ عنه طرح معاجز من قبيل معاجز موسى (عليه السلام) کا حُكيَت في قوله تعالى: { اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ ۖ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا }(6)، و: { اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ ۖ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ }(۷)، و: { فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَّا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَىٰ }(8)، و : { أَلْقِهَا يَا مُوسَىٰ * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ }(۹).

وإنَّما كان البرهان الأساس والدائم للنبيّ (صلى الله عليه وآله) - في مدة ثلاثة وعشرين سنة من عمره الشريف بعد البعثة - هو القرآن الكريم، كما جاء التحدّي به في الآيات القرآنية مكررة منذ السور المكيّة وحتى السور المدنيّة، وهذا هو الأساس فيما دأب عليه القرآن الكريم من تسمية المقاطع القرآنية بالآيات؛ فإنّ الآية هي العلامة الواضحة على الشيء والحجّة عليه، وقد يصفها كثيراً بالبيّنات أو سائر ما يؤدّي معنى الوضوح والظهور.

فلو أن العرب استطاعوا إيجاد نصٍ يكافئ أو يماثل هذا النص في بلاغته - يتضمن نصرة عقائدهم من الشرك، وإنكار اليوم الآخر، وحماية الأعراف القَبَليّة التي كانوا يَسرون عليها - لم يكن احتجاج النبيّ (ص) بالقرآن الكريم احتجاجاً فاعلاً ومؤثراً.

فالذي قوَّض حجّة العرب وأوجب فلَجهم معنوياً هو البلاغة المتميّزة للقرآن الكريم.

ثمّ لم يزل الخطباء والشعراء في العصور المتأخرة منذ صدر الإسلام يجعلون من حفظ القرآن الكريم وتلاوته المنبع الأم لتعلّم اللغة الفصيحة والمقدرة على الكلام البليغ، سواء في ما كان ذا مضامین دينية مثل خطب النبي (ص) وأمير المؤمنين (ع)، وأدعية الإمام السجاد (ع)، وسائر الخطب والأدعية التي اشتمل عليها التراث الإسلامي، أو فيما كانت ذات مضامین اعتيادية ممَّا هو من أغراض الشعراء كالمدح، والغزل، والذم.

فالقرآن الكريم مؤسِّس في الأدب الدينيّ، وهو أدبٌ يشمل الثناء على الله سبحانه، وبيان سنّته في الحياة، والنظر الألوهي التوحيدي والروحاني والمعنوي والغائي إلى العالم والحوادث، كما يشمل أدب الدعاء والوعظ والتذكير والأخلاق.

وإنمّا احتذى الإمام علي (عليه الصلاة والسلام) في نهج البلاغة أثَر القرآن، بحفظه وتذوّقه وكثرة مزاولته وممارسته؛ فاستطاع إنشاء هذا الكلام المتميّز الذي وُصف بأنّه فوق کلام المخلوق ودون کلام الخالق -، على أنّ ما جاء في نهج البلاغة لا يرقى إلى مستوى النص القرآني بوضوح على ما يعلمه النخبة الأدبيّة (۱۰).

وهذه المكانة البلاغيّة المتميّزة للقرآن الكريم منذ نزوله بديهة واضحة بحسب تاريخ الأدب والفكر العربي بعد الإسلام؛ فكلّ مؤرّخ لهذا الأدب والفكر يجد ذلك أمراً بيّناً وبديهيّاً من غير فرقٍ في ذلك بين المؤرخين المسلمين وغيرهم.

[ إشكال تاريخيّة البلاغة القرآنية وجوابه ]

ولا يلغي ثبوت هذه المكانة وقيمتها وحجيّتها على صدق الرسالة كونها معلومة تاريخيّة، كما قد يخطر في أذهان بعض الناس؛ حيث يقولون إنّنا لم نشهد العصر الأوَّل، ولا نشعر الآن بتلك الفصاحة والبلاغة؛ ومن ثمَّ فلا حجّة علينا في القرآن.

فهذا الانطباع خاطئ من وجهين:

الأوَّل: إنَّ من الأمور التاريخية ما هي حقائق بديهيّة، كما أنّ منها أموراً نظريّة ذات شواهد غير حاسمة أو أمور محتَمَلة، ومكانة القرآن الكريم في تاريخ الأدب العربي وتصدّره على عرشه منذ صدر الإسلام من المسلَّمات التاريخيّة في تاريخ العرب، وهو بمثابة سائر المسلَّمات التاريخيّة مثل مكانة الأدباء الذين كانت لهم مكانة في وقتهم، كالجاحظ والمتنبي والشريف الرضي وغيرهم، وكذلك الأدباء المتأخرين مثل أحمد شوقي الذي عُدَّ في مصر أمير الشعراء في حينه أو الجواهري أو غيرهم.

فالتاريخ الواضح والبديهي يُمثِّل حجَّة على الجميع، والمكانة البلاغيّة والأدبيّة للقرآن الكريم أمرٌ واضحٌ وبديهيٌ فعلاً، وعلى الباحث الموضوعي والمتحرّي للحقيقة أن يسعى إلى الاطلاع على ذلك.

الثاني: إنّ القرآن الكريم لم يزل حتى هذا العصر يمثِّل نصاً أدبياً راقياً متميّزاً لا يُقاس بالنصوص الدينيّة الأدبيّة المعاصرة، كما يجده بوضوح جميع النخبة الأدبيّة، ليس هناك من فرق بين المسلمين وغيرهم في الإحساس بذلك؛ فسائر العرب - کالمسيحيين العرب من الأدباء اللبنانيين وغيرهم - يجدون هذا التميّز في النصّ القرآنيّ بما يليق به کنصٍّ دينيٍّ أدبيٍّ راقٍ للغاية.

ولم يستطع أحد من الأدباء العرب حتى من غير المسلمين كالصابئة واليهود والمسيحيين - وفيهم من يجد داعياً إلى فعل هذا الشيء - أن يصوغ کتابه بصياغة تضاهي صياغة القرآن الكريم.

وقد سعى بعضهم إلى صياغة كتابه الدينيّ صياغةً أدبيّةً، كما فعل بعض شعراء الصابئة (11) بالنسبة إلى كتابهم (کنز إربا)، وقد اطلعت عليه حين أُهدي إلى سیّدنا (دام عزه) في وقته - ولعلَّه قبل عشرين سنة أو أكثر ، ورغم اقتباسه من القرآن الكريم فقد كان الفاصل بين النص الذي ذكره وبين النص القرآني فاصلاً واضحاً، حتّى أنَّه لم يدّعِ هو أنَّ ما أنشأه يمكن أن يرتقي إلى النصّ القرآني.

فلم تزل حجّة الإسلام في تميُّز القرآن الكريم - کنصٍ دینيّ فكريّ أدبيّ راقٍ ومتفرِّد - قائمة ومشهودة.

ولا يضرُّ بذلك أنَّ بعض الناس لا يدركون ذلك؛ فكثير من الناس لا يدركون تميُّز الشعراء الكبار بين عامَّة الشعراء، مع أنَّ ذلك أمرٌ بديهيّ في الجوّ الأدبيّ، والعديد من عامَّة الناس يُنشؤون أشعاراً يكاد أن لا يكون لها من صفة الشعر إلا الوزن - إن لم يكن مكسوراً - ومع ذلك يعدّون أنفسهم شعراء بلغاء ومتميّزين، ويعتقدون أنَّهم ضاهوا المتنبي والشريف الرضي وغيرهم، فهؤلاء لهم أحوالهم.

ولكن الحجّة في المستوى الأدبيّ للكلام ليس تشخيص الناس وإنَّما النخبة الأدبيّة، كما أنَّ الحجّة في سائر التخصصات مثل الطب والهندسة والفيزياء وسائر العلوم إنَّما هي النخبة؛ فهي التي تميّز مستوى العالِم، وليس عامّة الناس؛ وإنَّما يعوِّل عامّة الناس عليهم، وهذا أمرٌ معروف.

وعليه: فإنّ حجّة القرآن الكريم حجّة قائمة اليوم كما كانت في العصور السابقة (۱۲).

[ وظيفة المفسِّر اتّجاه البلاغة القرآنية ]

والمقصود من هذا الحديث: الالتفات إلى أنّ من شأن المفسِّر أن يبيّن البلاغة الفكريّة والأدبيّة للقرآن الكريم حسب ما يستطيع؛ ليتّضح جمال النص القرآني وبلاغته؛ لأنّ ذلك جزء أساس من كيان هذا النص، وهو ما يساعد على توضيح أنّ القرآن الكريم لم يزل حجّة قائمة على صدق الدين.

نعم، لا شكّ أنّ بيان ذلك وحده ليس كافياً في انتقال المخاطَبين إلى مستوى بلاغة الكلام ورقيّه؛ لأنّ جزءاً من الشعور بجمال الكلام وبلاغته يتعلَّق بالمستوى الفكريّ والذوق الأدبيّ للمتلَقي، وكثيرٌ من الناس ليسوا في هذا المستوى، ولكن مع ذلك فإنّ بیان بلاغة النص وجماله هو جزءٌ من أهداف النصّ القرآنيّ؛ لأنّ هذا النص جاء نصاً متحدِّياً ببلاغته وبأدائه، كما جاء متميّزاً في سَوقه المعرفيّ والعقلائيّ والحِكَميّ والقيميّ؛ ومن ثمَّ يكون بیان بلاغة النص القرآنيّ وجماله في الإيفاء بمَقصَده - ولو على سبيل الإيجاز والإشارة - جزءا من رسالة المفسِّر للقرآن.

____

الهوامش

(1) لاحظ في توضيح ذلك : جزء (الرسالة) من كتاب (الأنباء الثلاثة الكبرى).

(۲) سورة الحجرات : 6 .

(3) سورة النمل : ۲۲.

(4) يلاحظ - مثلاً -: الكافي : 7/ 414. ووجه الاستشهاد: أنَّ اللحن هنا لا يعني كيفيّة التعبير عن المعنى بل كيفيّة تصريف المعاني وترتيبها، وهي ناظرة إلى لمسات فكرية في المعنى.

(5) سورة المائدة : 110 .

(6) سورة البقرة: 60.

(۷) سورة الشعراء: 63.

(۸) سورة طه: ۷۷.

(9) سورة طه: ۱۹ - ۲۰.

(۱۰) لاحظ في توضيح ذلك : جزء (الرسالة) من (الأنباء الثلاثة الكبرى).

(11) وهو الشاعر المعروف عبد الرزاق عبد الواحد.

(۱۲) وما ذكرناه لا يعني حصر حجيّة القرآن الكريم بالجانب البلاغي - بجزأيه الأدبي والفكري -؛ فهناك حديث الإعجاز العلمي للقرآن الكريم، وقد تطرقنا للقول فيه بإيجاز في جزء (الرسالة) من (الأنباء الثلاثة الكبرى).

_____

(ملاحظة1: تم استلال هذا البحث من مجموعة محاضرات ألقاها آية الله السيد محمد باقر السيستانيّ (حفظه الله) في النجف الأشرف كمدخل لتفسير القرآن الكريم / المحاضرة الثانية / القسم 2/ ليلة الأربعاء/ 2 شهر رمضان المبارك / 1440هـ)

(ملاحظة2: العناوين المحصورة بين القوسين [  ] وضعناها لتسهيل مراجعة البحث وليست في المصدر)