دورة في فن تحقيق المخطوطات - النجف الأشرف |
المحاضر : الشيخ قيس بهجت العطار
المكان : مدرسة دار العلم / النجف الأشرف
الزمان : 2018م
تطرقنا في الدرس السابق الى سؤال : من أين يبدأ المحقق؟ وذكرنا جمع النسخ أولا من خلال مراجعة الفهارس وذكرنا ثلاثة معايير لاختيار النسخ ،بعد تحظير النسخ أذا لم نعثر على نسخة يتيمة فكما يقول الكميت رحمه الله " إذا لم يكن غير الأسنة مركبا فما حيلة المضطر الا ركوبها " فالمحقق هنا مضطر للاعتماد عليها وإن كانت فيها بعض السقم ولهذا أمثلة كثيرة (ذكر المحاضر بعضها / راجع الفيديو أدناه) .
وإذا حصل المحقق لاحقا على نسخة أخرى لكتاب حققه ولم يجد يوم تحقيقه سوى نسخة أو نسختين فريدتان فيمكنه اعادة تحقيقه بعد العثور على النسخة الجديدة ولاضير في ذلك .
كثرة النسخ المتوفرة
نعم في الحالة المقابلة للحالة السابقة اعني إذا وجد المحقق عشر نسخ للكتاب او خمسة عشر نسخة أو أكثر من ذلك ففي هذه الحالة ما هو الملاك في اختيار النسخ ؟ هذا ما نبحثه في هذا الدرس .
دائما نحاول العثور على النسخة النفيسة والميزان في نفاستها عدة أمور هي :
1- قدم النسخة وقربها من عصر المؤلف فهي تمتاز بالجودة غالباً . ومن النادر ان تكون سقيمة المتن ،وللجاحظ كلام في هذا مضمونه أن الكتاب إذا نُسِخ ثلاث مرات صار أعجميا ،ومراده انه في كل مرة يقع فيه شيء الخلل وهكذا حتى يتراكم ،فالنسخة القديمة يفترض ان تكون جيدة المتن ، قليلة التحريف والسقط ولكن هذه الميزة ليست مطردة وانما غالبية . وله أمثلة كثيرة ذكر المحاضر بعضها (راجع الفيديو أدناه)
2- الخط : فهناك نسخ نفيسة من حيث امتيازها بالخط ،فهناك الكثير من الخطاطين الذين يمتازون بالخط الرائع مثل ابن مقلة وابن البواب ولكن ينبغي الانتباه الى أن بعض النسخ خطها رائع لكن ضبطها ضبط سقيم وفي مثل هذه الحالة الأفضلية للنسخة صاحبة الضبط الأفضل .ومن الممكن ان تجتمع خصال النفاسة كلها في نسخخة واحدة .
3- النفاسة من حيث التذهيب أو من حيث الورق أو نسخة خزائنية او سلطانية أو ملوكية كالنسخ المهداة الى خزائن الملوك فهي غالبا مذهبة مرصعة فيها أفخر انواع الورق ،لذا هذه النسخ في الغالب يتم سرقة ورقتها الأولى والأخيرة لعدة اسباب منها انها مكتوبة بماء الذهب او لانها في نفسها لوحة نفيسة او بسبب وجود الوقفية على صفحتها الأولى فتزال ولهذا تلاحظون ان السقط في النسخ في الغالب انما يكون في الصفحات الأولى والأخيرة .. نعم العوامل الزمانية لها تأثير كبير في اخترام هذه الصفحات ولكن في النسخ الخزائنية هناك اسباب أخرى لهذه الظاهرة كما قلنا .
4- النفاسة باعتبار كمال النص والنفاسة باعتبار الموضوع اي ان يكون المتن كاملا خاليا من التحريف والتصحيف والسقوطات والتلف ،وبالنسبة لنا كطلبة علوم دينية ومحققين المهم عندنا هو النفاسة العلمية فليس مهما كونها بخط ابن مقلة او ابن البواب مثلا فهي نفيسة وقد تباع بأإلى الاثمان لكن من الناحية العلمية لا يعتد بذلك ،وكذلك من حيث التذهيب أيضا ،فانما نلاحظ نفاسة النسخة باعتبار النص وتمامه وكماله .
وخلاصة الكلام أن نفاسة النسخة قد تكون عرضية بلحاظ جهات فيزيائية خارجية بالنسبة للنسخة وقد تكون بلحاظ مطالب النسخة والذي يهمنا هو امتيازها من حيث الموضوع والتمام والكمال وان يكون كاتبها عالما و ... الخ وكما ذكرنا أن هذه ليست مانعة جمع بل قد تجتمع كل هذه الصفات أو أكثر من واحدة منها في نسخة واحدة .
ترتيب النسخ من حيث الأهمية :
1- نسخة المؤلف : اذا توفرت نسخة بخط المؤلف كاملة وواضحة فهي تكون الاصل في التحقيق وبها الكفاية فلا تحتاج الى مقارنتها بالنسخ الأخرى فهي تغنيك عن غيرها
في بعض الأحيان توجد حالات طارئة كما إذا كان خط المؤلف غير واضح ووجدت نسخة بخط تلميذه واضحة ففي هذه الحالة تبقى نسخة المؤلف هي الأصل ولكن يتم الاهتداء بنسخة تلميذه .
وأما إذا كانت نسخة المؤلف مخرومة في بعض المواضع او على بعضها اتلف الحبر بضعة اسطر او ما الى ذلك فإذا وجدت معها نسخ أخخرى يمكن تكوين النص من مجموعها أما إذا كانت يتيمة فهذه من عويصات التحقيق وسيتضح كيفية معالجتها من خلال تضاعيف الدروس .
ومن الملاحظات التي لابد من التنويه عليها في المقام هو أن نسخة المؤلف قد لا تخلو من الأخطاء الاملائية والنحوية مثل كلمة (سيما) فهي لا تستقيم في لغة العرب انما تأتي (لاسيما) او (ولا سيما) أو جمع العبارة على (عبائر) وهو غير صحيح او إدخال الألف واللام على كلمة (غير) مثل هذه الأخطاء تصحح من دون الإشارة لذلك في الهامش نعم إذا سهى قلم المؤلف بخطأ نادر تصحح مع الاشارة له وبصورة عامة لا يصح التغيير والتعديل عليها اطلاقا الا عند الضرورة والقطع بكونه من سهو القلم والا فأي كلام للمحقق غير ذلك يُدرج في الهامش وليس في المتن ومن نافلة القول التأكيد على ضرورة التعامل مع المؤلف بأدب عال عند وجود مثل هذه الاخخطاء فلا يصح التعريض والتجريح به عند تصحيحها انما قل (وهذا يبدو انه مما سها به قلمه الشريف) نعم في نسخ النساخ ففيه بعض التسامح لانهم كتاب تجار وليسوا بالضرورة علماء .
أما إذا عثرنا على نسختين وكلاهما بخط المؤلف فنأخذ النسخة المتأخرة تاريخا ،نعم في حالة كون النسخة الأولى فيها بعض الاضافات والنسخة الأخيرة أيضا فيها بعض الامتيازات ،في مثل الفرض لا بأس باضافة فقط زيادات الأولى المفيدة في الهامش ،وبعضهم يرى امكان وضعها في المتن مع الاشارة الى ذلك ولكني لا أحبذه لان المؤلف لو كان يريدها في المتن لأضافها في نسخته الثانية .
2- النسخة التي عليها قراءة أو سُماع من المؤلف : اي تم قراءتها على المؤلف بعد نسخها فهذه النسخة تكون بالمرتبة الثانية بعد نسخة المؤلف . ولكن أحيانا الناس عندما ينسخ الكتاب ينسخ البلاغ بالقرءة والسماع ايضا وهنا نحتاج الى التدقيق بانه بلاغ المؤلف وسماعه وليست منسوخة عن نسخة عليها بلاغ ، وهنا ايضا قد تكون النسخة التي عليها بلاغ سماع وقراءة على المؤلف فيها سقم وأخطاء أيضا لأسباب عديدة .
3- النسخة المنقولة من خط المؤلف ،فهذه تأتي في المرتبة الثالثة ،وهي الأرى قد لا تخلو من السقم والأخطاء ،لاسيما إذا كان الكاتب (الناقل) ليس فاضلا لا يميّز هيئات الكلمات جيدا فمثلا لا يميز بين (يكره الصلاة وفي قبلته نار مضرَّمة) بالتشديد و (مضرمة) بالتخفيف فالاول يراد به نار المجوس المضرمة دائما وليس مثل نار المدفئة التي تضرم في اوقات قصيرة فلا تكره الصلاة هي في قبلة المصلي .
4- النسخة المقابَلة على نسخة بخط المؤلف ،فهي منقولة من نسخة أخرى ومن ثم تمت مقابلتها على نسخة المؤلف فهذه بالمرتبة الرابعة والشرط في هذه النسخ كلها هو ان يكون الكاتب او الناقل او المقابِل فاضلا .
5- النسخة المكتوبة على عهد المؤلف فهذه نفيسة من جهة قدمها ولبعد ان يتم اضافة شيء في النسخة على عهد المؤلف فهناك نسخ أضافوا لها بعد وفاة المؤلف كما حصل لكتاب مهج الدعوات للسيد ابن طاووس حيث أضاف له الصوفية ثلاثة ادعية او دعائين كان فيها خلاف هل هي من انشاء السيد ابن طاووس او انها من مروياته او انها من إضافات الآخرين في الكتاب والآن صديقنا المحقق (عبد الله الغفراني) وجد نسة مقروءة على ابن طاووس وعليها امضائه خالية من تلك الإضافات .
6- نسخة أشرف عليها وصححها عالم كبير كالعلامة المجلسي في الحديث أو السيد الخوئي مثلا في الأصول فهذه النسخ لا يمكن ان تقارن بالنسخ التي كتبها الآخرون .
وفي حال عدم وجود نسخة المؤلف ووجد عدة نسخ لكل منها امتياز او وجد عدة نسخ ليس في أي منها احد الامتيازات السابقة في هذه الحالة نستخدم اسلوب التلفيق والملاحظة والتدقيق .
ومن كل ذلك يتضح انه لابد من قراءة جميع النسخ لأجل الترجيح بين النسخ ومع عدم توفر الامتيازات نعتمد على الأتم نصا والأوضح خطا فتنتخبها وتعتمدها في التحقيق ولا تعتمد على كل النسخ ان كانت النسخ جدا بحيث تثقل الهامش بما لا موجب له .